lunedì 7 marzo 2011

دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : الحرية

محاور الدرس




1) الحرية و الحتمية.



2) حرية الإرادة.



3) الحرية و القانون.
مــقـدمــــة:




يعتبر مفهوم الحرية من اكثر المفردات اللغوية جمالية ووجدانية، لذا استحقت اتخاذها شعارا للحركات الثورية و قوى التحرر و الأحزاب السياسية و العديد من الدول و منظمات حقوق الإنسان في العالم، بوصفها قيمة إنسانية سامية تنطوي على مزيج من العناصر الأخلاقية والاجتماعية والوجدانية والجمالية. غير أنها من بين أكثر المصطلحات اللغوية والفلسفية إشكالية؛ فقد تعددت التعاريف الفلسفية التي أعطيت لها، إلى حد لا نكاد نقع فيه على تعريف جامع مانع لها. بيد أن فهمها و تحديد ماهيتها ليس بالأمر المستحيل إذا أمكنا لنا النفاد إلى العالم الذي توظف فيه، ألا و هو عالم الإنسان، باعتبارها حاجة إنسانية أصيلة و جزءا مكونا لشخصية كل إنسان، إن لم نقل أنها كل شخصيته. و كمحاولة منا للدخول إلى عالمها و الوقوف على ماهيتها، نقول أن الحرية تعني عند البعض غياب القيود و القدرة على فعل ما لا ينبغي فعله، و قد تعني مجرد الوعي بما يتحكم فينا من ضرورات و حتميات و أخدها بعين الاعتبار حين القيام بسلوك معين، كما قد تعني التحرر و الوعي بما يتحكم فينا و السعي إلى التحرر منه؛ ذلك أن سيادة هذا المفهوم في معناه الأول و الثاني، هو الذي يفسر الاعتقاد في تميز الظاهرة الإنسانية كيفيا(نوعيا) عن باقي الظواهر الطبيعية. و هو ما يفسر في نفس الوقت، رفض الانتقال بدراستها من المجال الفلسفي إلى المجال العلمي بفعل تفردها و خصوبتها و عدم قابليتها للتجريب عليها. و هي تبعا لذلك لا تخضع لقانون محدد أو حتمية مضبوطة.



و قبل أن نغوص في ثنايا هذا المفهوم، لا بأس أن نعرج على الفلسفة اليونانية - سيما و نحن نعالج مفهوم الحرية من الناحية الفلسفية- ثم نلقي الضوء، بعد ذلك، وبعجالة، على نفس المفهوم كما قاربه الفلاسفة المسلمون.



لقد تناول فلاسفة اليونان مفهوم الحرية بمعان مختلفة؛ فالسفسطائيون كانوا يعتبرون أن الإنسان الحر، هو الذي يسلك وفقا للطبيعة، أما غير الحر فهو من يخضع للقانون. أما سقراط - الذي فضل الموت على التنازل عن أفكاره و حريته، والذي قادته أفكاره و إيمانه بحرية التعبير إلى محاكمته المشهورة كما نعلم – فقد اعتبر أن الحرية تعني "فعل الأفضل" و هذا يفترض البحث، وبلا كلل، عن الأحسن، فاتخذت الحرية معنى التصميم الأخلاقي وفقا لمعايير الخير. و أما عند أفلاطون فتعني "وجود الخير" و الخير هو الفضيلة، والخير محض ويراد لذاته، و الحر هو الذي يتوجه فعله نحو الخير. و مع ظهور أرسطو سيبدأ المعنى الأدق للحرية في الظهور، إذ يربطها بالاختيار:



" إن الاختيار ليس عن المعرفة وحدها بل أيضا عن الإرادة ...و الاختيار هو اجتماع العقل مع الإرادة معا".



أما عند الفلاسفة المسلمين فقد ارتبط الحديث عن الحرية بالحديث عن القدر و "الجبر و الاختيار"، و فيما إذا كان الإنسان مخيرا أو مسيرا. و غير خاف، الحيز الذي أخده هذا الموضوع من نقاش الفرق الكلامية على اختلافها ( المعتزلة، الأشاعرة، المرجئة ...)و التي تراوحت آراء روادها، بين قائل بان الإنسان مجبر على أفعاله، و قائل بان الإنسان ليس مجبرا و بان له قوة و استطاعة، بها يفعل ما اختار فعله، وغيرها من المواقف التي دونتها لنا أقلام الأولين.



هكذا نستطيع الجزم بان مفهوم الحرية طرح و لازال يطرح صعوبات جمة أمام الفلاسفة حين محاولة تعريفه، إلا أننا سنحاول فيما سيأتي من محاور تقديم مواقف و إجابات البعض منهم عن الأسئلة التالية:



- أن نكون أحرارا هل معناه أن نفعل ما يحلو لنا؟ أم أن نتحرر من التبعية لقوانين الطبيعة؟



أم أن نتصرف وفقا للعقل أو ضده؟ هل معناه التحرر من قوانين الدولة أم الخضوع لها؟



- هل للحرية علاقة بالأخلاق أم أنها مستقلة عنها معارضة لها؟ ثم كيف تسمح القيم الأخلاقية بتحرر الإنسان و هي في ذاتها تقنين لتصرفاته؟



- ما علاقة الحرية بالإرادة؟ و هل يسمح العيش داخل جماعة (دولة) بالقول بحرية الفرد؟



1. الحرية والحتمية:



من البديهي أن الحديث عن الحرية لا يستقيم إلا بالحديث عن نقيضها، المتمثل في "الحتمية"، عملا بالقولة الشهيرة" الأشياء تعرف بأضدادها". لذلك سنحاول، بادئ ذي بدء، التعرف على هذا النقيض قبل بيان مواقف الفلاسفة بخصوص مفهوم الحرية.



لقد نشأ مفهوم الحتمية كنقيض لمفاهيم ومبادئ اعتقد أنها هي التي تحكم العالم، كالصدفة والعشوائية والفوضى وغياب النظام والاعتقاد في خضوع العالم إلى قوى غيبية لا سبيل إلى معرفتها أو التحكم فيها على الأقل( هو ما عبر عنه بالجبرية). ويقصد بالحتمية الاعتقاد بأن الظواهر تخضع في نشوئها وتطورها وزوالها، لعوامل مادية مضبوطة يمكن معرفتها والتحكم



فيها. وعلى أساس هذا المبدأ نشأ العلم وأمكن بالتالي تفسير عدد من الظواهر والتحكم فيها وتوقع حدوثها، وهو ما دفع كلود برنار إلى القول بـ "أن العلم حتمي وذلك بالبداهة، ولولاها لما أمكن أن يكون". فكان من الطبيعي أن يوجه تصور من هذا النوع، المحاولات الأولى لنقل الظاهرة الإنسانية، من حقل التناول الفلسفي إلى حقل التناول العلمي؛ فالفرد في مسار نموه وتطوره يخضع لحتميات يمكن معرفتها ومن تم التحكم فيها، وهو الرأي الذي اتفق عليه مجموعة من الفلاسفة والعلماء رغم اختلافهم في جزئياته، من بينهم جون واطسون،مؤسس المدرسة السلوكية، الذي اعتقد أن بإمكانه أن يصنع من الطفل الشخص الذي يريد. و سيجموند فرويد رائد التحليل النفسي الذي اعتبر أن الفرد يخضع لحتميات سيكولوجية، تتمثل في الأثر الحاسم للطفولة في تكوين الشخصية وتحديد استجاباتها في كل المراحل اللاحقة.



وهي أمثلة فقط قد نضيف إليها الموقف السوسيولوجي ومواقف أخرى، أجمعت جميعها على خضوع الفرد لحتميات تقوده – رغما عنه – في الحياة وتوجه سلوكه وتتحكم في إرادته. من هنا تأتي مشروعية استحضار المقاربة الفلسفية الرافضة لكل محاولات إخضاع الإنسان لمناهج لا تتلاءم مع خصوصيته،والداعية إلى النظر إليه في بعده الحي، المتغير، والمتجدد باستمرار.



لن نجزم بأننا سنتناول كل المواقف الفلسفية التي قاربت مفهوم الحرية في علاقتها بالحتمية، ولكن حسبنا أن نبرز آراء البعض منها، خصوصا الذين يحسب لهم إسهامهم الواضح في تناول هذا الموضوع أكثر من غيرهم، الأمر يتعلق بكل من ابن رشد ، سبينوزا، كانط و ميرلوبونتي.



يعتبر ما أتى به أبو الوليد ابن رشد، في معرض حديثه عن مسألة الجبر والاختيار، بمثابة حل، يروم فظ التشابك والاختلاف الذي كان السمة الطاغية على نقاش الفرق الكلامية، ويبين تهافت مواقفها التي تباينت بين الجبرية التي لم تكن ترى في الإنسان سوى كائنا مجبرا على أفعاله، والمعتزلة التي قالت بحريته وشددت عليها، وفرقة الاشاعرة التي جمعت بين الموقفين فيما عرف بنظرية "الكسب". وتكمن جدة موقف ابن رشد في إقراره بحرية الإنسان في إتيان أفعاله، خيرها وشرها وباقي الأضداد الأخرى، مع عدم نكرانه للحتمية التي تتجلى، في اعتقاده، في خضوع الإنسان لقوانين الطبيعة وقوى الجسد المخلوقان من طرف الله.



أما باروخ سبينوزا فيبدأ حديثه عن هذا الموضوع، برفضه التمييز بين الإرادة والعقل، معتبرا أن الإرادة ما هي إلا ميل العقل إلى قبول ما يروقه من المعاني، واستبعاد ما لا يروقه؛ فما يسمى بالفعل الإرادي هو فكرة تتبث نفسها أو تنفيها، وما يسمى بالتوقف عن الحكم هو حالة عدم إدراك الفكرة على نحو مطابق. وبما أن الأشياء، في اعتقاده دائما، معينة بما في الطبيعة الإلهية من ضرورة الوجود والفعل، لم يكن في الطبيعة ممكنات، ولم يكن في النفس إرادة حرة، فالنفس معينة إلى فعل معين بعلة، هي بدورها معينة بعلة وهكذا إلى غير نهاية. إن سبينوزا، بهذا المعنى، يعتبر الحرية، أو بالأحرى الشعور بالحرية مجرد خطأ ناشئ مما في غير المطابقة من نقص وغموض؛ فالناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يجهلون العلل التي تدفعهم إلى أفعالهم، كما يظن الطفل الخائف انه حر في أن يهرب، ويظن السكران انه يصدر عن حرية تامة، فإذا ما تاب إلى رشده عرف خطأه. مضيفا أنه لو كان الحجر يفكر، لاعتقد بدوره أنه إنما يسقط إلى الأرض بإرادة حرة. وبذلك تكون الحرية الإنسانية خاضعة لمنطق الأسباب والمسببات الذي ليس سوى منطق الحتمية.



ينطلق ايمانويل كانط في معرض تناوله لمفهوم الحرية، من فكرة تبدو له من المسلمات والبديهيات، مفادها أن الحرية خاصية الموجودات العاقلة بالإجمال؛ فهذه الموجودات لا تعمل إلا مع فكرة الحرية. غير أن أي محاولة من العقل لتفسير إمكان الحرية تبوء بالفشل، على اعتبار أنها معارضة لطبيعة العقل من حيث أن علمنا محصور في نطاق العالم المحسوس وأن الشعور الباطن لا يدرك سوى ظواهر معينة بسوابقها، وهذه المحاولة معارضة لطبيعة الحرية نفسها من حيث أن تفسيرها يعني ردها إلى شروط وهي علية غير مشروطة. كما ينص كانط على التعامل مع الإنسان باعتباره غاية، لا باعتباره وسيلة، ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته ، هو كل ما يستمد قيمته من ذاته، ويستمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. يقتضي هذا المبدأ بان يختار كل فرد بحرية الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها بعيدا عن قانون التسلسل السببي الذي يتحكم في الظواهر الطبيعية.



أما إذا انتقلنا إلى نظرية موريس ميرلوبونتي في الحرية، فسنجد أن صاحب" فينومينولوجيا الإدراك"، يشترك مع غيره من فلاسفة الوجودية في القول بان الحرية هي صميم الوجود الإنساني، إلا انه يختلف عنهم في القول بان مجرد حضور الذات أمام نفسها ينطوي هو نفسه على الحرية، إذ أن الوعي ليس سوى تلك المقدرة على الإفلات من كل قيد أو حد، بمجرد التفكير في هذا القيد أو هذا الحد. فالذات تمتلك القدرة على أن تعلو بالفكر على كل قيود خارجية قد تتصور نفسها أسيرة لها. وتبعا لذلك فإن الوعي أو الشعور- فيما يقول – هو بطبيعته انفصال ومفارقة وحرية، لأنه ينطوي في صميمه على حركة مستمرة تنفصل فيها الذات عن الواقع، بفعل تلك الحرية، التي هي في جوهرها، قدرة مباشرة على التحرر من شتى الحدود والقيود. إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار، هو أن ميرلوبونتي يرفض الحرية المطلقة، بل يعتبر أن الحرية التي تظل حرة بالضرورة، لا تفترق مطلقا عن الحتمية نفسها، مبررا قوله بأننا لو سلمنا بوجود مثل هذه الحرية فسيكون من العسير علينا أن نفهم معنى الالتزام engagement [ما نحققه في الحاضر لابد من أن يندرج في المستقبل محققا في الوقت نفسه شيئا يظل محفوظا، فإذا ما جاءت اللحظة التالية أفادت مما سبقها من لحظات].



ينحو بنا عبد الله العروي منحى آخر في مقاربته لهذا المفهوم، فالحرية في اعتقاده غير متعالية عن الواقع، كما اعتبرها البعض، بل محايثة له، اتخذت قديما طابعا بسيطا ومختزلا بحكم القيود والضوابط التي عرفتها الأشكال التقليدية للمجتمعات، والتي لم تكن تسمح سوى بهامش ضئيل من الحرية. أما في الآونة الراهنة فالحرية لم تعد معطى جاهزا يملكه الفرد مسبقا، بل هو عملية تحرير مستمرة، تحتك بعمليات تحريرية أخرى تخوض معها نفس التجربة لكن بأشكال مختلفة بحكم فرادة الذات وخصوصياتها.



2. الحرية والإرادة:



لقد سبق وأشرنا إلى أن الحرية حاجة فطرية لدى الإنسان، جوهرها الاتساق والتوازن الذاتي للشخصية الإنسانية؛ فالناس ولدوا من بطونهم أحرارا، لذا فهي ليست كسبا يحرزه المرء بجهده الخاص، وإن كان الحفاظ عليها يستدعي بذل قصارى الجهد لمواجهة التهديدات المستمرة الهادفة للنيل منها. وعليه فجميع الناس يدركون معنى الحرية، رغم تفاوت مقدار حيازتهم لها. وكلما تعمق وعيهم بها، ازدادوا نزوعا إليها، وذادوا عنها وضحوا في سبيلها. إن شعورنا بالحرية يبدأ منذ اللحظة التي نقدر فيها على الاختيار بين ما نريد ( الإرادة) وما لا نريد، فامتلاكنا القدرة على الاختيار بالقبول أو الرفض، يؤكد امتلاكنا للحرية. لكن هل يعني امتلاكنا للإرادة، أننا أحرار في تقرير شؤون الحياة المختلفة؟ وهل الإرادة شرط للحرية؟ ثم إلى أي حد تصدق مقولة سارتر"نحن مجبرون على الحرية" (رغما عن إرادتنا)؟



نبدأ الخوض في هذا الموضوع، بإدراج تصور فلسفي إسلامي يمثله أبو بكر محمد ابن باجة، الذي لم يشكل استثناءا للقاعدة، على اعتبار أن تناوله لمشكل الحرية يندرج، بدوره، في إطار مسألة الجبر والاختيار، التي كما اشرنا سابقا، شكلت موضوع نقاش الفلاسفة المسلمين بمختلف مشاربهم ومواقفهم. لقد ميز ابن باجة في أفعال الإنسان بين، تلك التي يختارها عن إرادة (الإرادة الكائنة عن روية)، وهو يسميها أفعالا إنسانية، لأنها خاضعة للفكر، يحركها ما يوجد في النفس من رأي أو اعتقاد، ويسبقها تدبير وترتيب، وبين الأفعال البهيمية التي يتقدمها في النفس، الانفعال النفساني فقط، بمعنى أنها مجرد ردود أفعال آلية ، ميكانيكية، خالية من كل تدبير مسبق، وغير مؤسسة على تفكير قبلي؛ فكسر إنسان لعود خدشه لمجرد أنه خدشه، يعتبر فعلا بهيميا. أما كسره لئلا يخدش غيره، أو عن روية توجب كسره، فذلك فعل إنساني.



بعيدا عن موقف ابن باجة، يمكن أن نقول أن ج. ب. سارتر هو فيلسوف الحرية بامتياز، وكيف لا وهو قد نصب نفسه منذ البداية خصما لذودا لكل لون من ألوان الجبرية. لقد رفض هذا الفيلسوف في كل من كتابيه " الوجود والعدم" و" نقد العقل الجدلي" شتى المحاولات المبذولة في سبيل الهبوط بالإنسان إلى المستوى البيولوجي الصرف. فالحرية هي نسيج الوجود الإنساني، والشرط الأول للعقل هو الحرية: "إن الإنسان حر، الإنسان حرية... الإنسان محكوم عليه أن يكون حرا، محكوم عليه لأنه لم يخلق نفسه وهو مع ذلك حر لأنه متى ألقي به في العالم، فإنه يكون مسؤولا عن كل ما يفعله". هكذا يتحكم الإنسان –حسب سارتر- في ذاته وهويته وحياته، في ضوء ما يختاره لنفسه بإرادته ووفقا لإمكاناته.



مع فيلسوف ألمانيا الأشهر،إيمانويل كانط، سنتحدث عن اصطلاح، سلطان الإرادة، الذي هو المبدأ الأسمى للأخلاق،والذي يحافظ على كرامة الإنسان. فالإرادة هي مصدر الأمر الأخلاقي المطلق والإنسان الموجود في العالم العقلي، حيث أن إرادة الإنسان الموجود في العالم الحسي، تخضع لإرادة الإنسان الموجود في العالم العقلي، والذي هو في النهاية إنسان واحد. فصورة الحرية التي نستطيع أن نفكر فيها دون أن نعرفها، ليست فقط مما يتطلبه إحساسنا بالواجب، إذ تتمشى هذه الصورة مع سيطرة مبدأ السببية على العالم الظاهري. فالإنسان من حيث هو كائن ظاهري في ذاته، فإنه حر، فهو لا يستطيع أن يعرف ماذا تكون حريته تلك، بيد أنه يعلم أنه حر. إن إرادة حرة وخاضعة ،في نفس الوقت، للقانون الأخلاقي هي –في نظر كانط – شيء واحد.



إلا أن ما توصل إليه كانط، يزعم أرثور شوبنهاور أنه يستطيع تجاوزه والكشف عن الطبيعة الحقيقية للشيء في ذاته. فهو يعتقد عن طريق حدس مباشر أنه اخترق ستار الظواهر ووجد الشيء في ذاته. وهذا الشيء في ذاته هو الإرادة؛ فالحقيقة الواقعية النهائية ،هي الإرادة، لان الذهن ما هو إلا تجل للإرادة، التي تجعل نفسها متفردة ومختلفة فيك، وفي، وفي أشخاص آخرين منفصلين، وفي أشياء عالمنا الظاهر وفقا لمبدأ العلة الكافية. إن هذه الإرادة حرة، لأنه لا شيء يمكن أن يحدها أو يقيدها، ونحن في عالم الإرادة يطابق كل منا الآخر ويطابق الطبيعة بأسرها.



أما فريديريك نيتشه، الذي تأثر كثيرا بأفكار شوبنهاور- خصوصا في بداياته الأولى- فقد رفض الأحكام الأخلاقية النابعة من التعاليم المسيحية، معتبرا أنها سيئة وأنها أكدت، تأكيدا زائفا على الحب والشفقة والتعاطف، وأطاحت ،في المقابل، بالمثل والقيم اليونانية القديمة التي اعتبرها أكثر صدقا وأكثر تناسبا مع الإنسان الأعلى. فهذه الأخلاق – بالمعنى الأول – مفسدة تماما للإنسان الحديث الذي يجب أن يكون "روحا حرة" ويتبث وجوده ويعتمد على نفسه ويستجيب لإرادته. لقد ظل نيتشه، بوجه عام، يعتقد بان الحقيقة القصوى للعالم هي الإرادة، ومثله الأعلى الأخلاقي والاجتماعي هو " الرجل الأوربي" الجيد، الموهوب بروح حرة، والذي يتحرى الحقيقة بلا خوف، ويكشف عن الادعاءات الكاذبة والخرافات، ولذلك نجده قد أهدى كتابه "إنساني مفرط في الإنسانية" إلى ذكرى فولتير الذي رأى فيه نموذج الروح الحرة التي لا تقيدها عادات، ولا تسلك إلا وفق إرادتها الحرة. يقول صاحب " هكذا تكلم زاردشت" على لسان هذا الأخير: " حرا تسمي نفسك، أريد أن أسمع هاجسك المسيطر، لا أن تقول لي بأنك قد خلعت النير عن كاهلك، وهل أنت ممن يستحق أن يخلع النير عن كاهله، لأنهم كثر أولائك الذين فقدوا أي قيمة لهم عندما تحرروا من عبوديتهم".



من جهة أخرى، عمل ألكسيس دوطوكفيل على تتبع علاقة الحرية بالإرادة، في ظل مجتمع ديمقراطي ( المجتمع الأمريكي من خلال كتابه: الديمقراطية في أمريكا)، فتوصل إلى استنتاج في شكل سؤال نبلوره على الشكل التالي: هل تعني المساواة في الحقوق السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية... تحرر الإنسان وحصوله على حريته النابعة من إرادته؟



يعتبر دوطوكفيل أن المساواة تفضي إلى اتجاهين اثنين: إما الاستقلال المباشر للأفراد والذي قد تنجم عنه حالات من الفوضى، وإما أن يجد الأفراد أنفسهم –بعد مدة طويلة ورتيبة لكنها آمنة – يتجهون نحو العبودية، والتي هي عبودية لا تدرك بسهولة، ولكنها تعاش.



وقبل أن نترك دوطوكفيل الذي يعد مونتسكيو الثاني، لابأس أن نورد تعبيرا مجازيا له يشبه فيه الحرية بالهواء، يقول: " يظهر لي أن الحرية تشغل في عالم السياسة الموقع الذي يشغله الهواء في العالم" بمعنى أن الحرية هي هواء نتنفسه، وغيابها نحس به مثلما نحس بالاختناق عند نقص الهواء.



3. الحرية والقانون:



لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة ، في مساواة مع أي شخص آخر، فإن له بالطبيعة الحق، ليس في المحافظة على حريته هذه فحسب، بل أيضا في أن يحاكم الآخرين، إن هم قاموا بخرق هذا القانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من عقاب. من هنا وُجد المجتمع السياسي، حيث تنازل كل فرد عن سلطته الطبيعية وسلمها إلى المجتمع في جميع الحالات التي لا ينكر عليه فيها حق الالتجاء إلى القانون الذي يضعه المجتمع لحمايته.



هكذا، وبعد أن كان الأفراد يحكمون على أفعالهم وسلوكاتهم حكما شخصيا، أصبح المجتمع هو الحكم الذي يحكم على أساس قواعد قائمة- قانون- تطبق على جميع الأطراف، فصرنا نتحدث منذئذ عن الحرية في إطار المسؤولية، أو عن الحرية المقننة، أي الخاضعة لترسانة من القوانين التي تبين الحدود التي لا ينبغي تجاوزها والمسالك التي يمكن للفرد أن يسلك وفقها، لذلك يحق لنا أن نتساءل:



- هل بإمكاننا الجمع بين الحرية، بما هي إرادة واختيار، والقانون، بما هو إلزام؟



- كيف نستسيغ أن يفقد الإنسان راضيا حريته المطلقة، ويقبل الخضوع لحكم القانون؟



- ثم ألا يمكن أن يعثر الإنسان داخل الحرية المقننة، على ما هو أفضل له من العيش داخل الحرية المطلقة؟



لا يعول صاحب " اللوفياتان" ، توماس هوبس، كثيرا على القانون، فهو يعتقد أن كينونة الحرية في الإنسان هي الدافع أساسي لإعمال حريته وليس القانون، مضيفا أنه إذا لم يكن الإنسان حرا بحق وحقيقة، فليس هناك موضع للإدعاء بأن هذا الإنسان يكون حرا فقط عندما يكون تحت نظام قانوني معين... إذ تبقى الحرية عند هوبس نصا يمتلك معنى واسعا، ولكنه مشروط بعدم وجود موانع لإحراز ما يرغب فيه الإنسان، فالإرادة أو الرغبة لوحدها لا تكفي لإطلاق معنى الحرية. وهوبس كغيره من رواد الفكر السياسي الغربي، يؤمن بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين، فقد رفض الحرية الزائدة غير المقيدة، إذ أكد بأن الحرية ليست الحرية الحقيقية لأنها خارجة عن السيطرة، بالأحرى سيكون الإنسان مستعبدا من خلال سيادة حالة من الخوف المطرد المستمر. إن المصالح الشخصية الخاصة وحتى الحياة نفسها ستكون عرضة للرعب والذعر، من قبل الآخرين أثناء إعمالهم لحرياتهم. فالحرية المطلقة تقود إلى فقدان مطلق للحرية الحقيقية.



غير بعيد عما توصل إليه هوبس، يعرف مونتسكيو الحرية بقوله: " أن يقدر المرء على أن يعمل ما ينبغي عليه أن يريد، وألا يكره على عمل ما لا ينبغي أن يريد". هي الحق في أن يعمل المرء ما تجيزه القوانين العادلة، فإذا كان للمواطن أن يعمل ما ينهى عنه، كان لغيره نفس هذا الحق، فتتلاشى الحرية. يربط مونتسكيو إذن الحرية بالقانون، وهو ربط نابع من خلفيته القانونية، بحكم أنه مؤلف كتاب " روح القوانين" الذي كان له تأثير غير قليل في تطور دستور فرنسا، وقد اشتهر عنه قوله، أن المملكة التي توجدها الحرب، تحتاج إلى حرب لتحافظ على كيانها. فالحرية بهذا المعنى ستظل محافظة على تعريفها القديم المتمثل في أن يفعل الإنسان ما يشاء وأن يستجيب لنداءاته الداخلية الحرة، مع تذكيره بدون انقطاع بألا يخرج فعله هذا عن الإطار القانوني للدولة. ان موقف مونتسكيو هذا سيلاقي دعما ومساندة من طرف بنيامين كونستانت الذي يعتبر بأن الحرية هي الاستمتاع الهادئ بالاستقلال الفردي، فالكل يحلم بحرية هادئة بعيدة عن المصاعب والمشاق، لكن المصاعب هي جزء من الحياة وتكوينها، لأننا لا نعرف قيمة الحرية إذا لم نضعها فوق المحك، وكونستانت وضع بالفعل حريته في المحك، حينما نفاه نابليون بونابرت أحد عشر عاما، جراء معارضته لتصرفاته. فهو رغم إشادته بوجود قانون ينظم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، رفض أن يصبح هذا القانون نفسه أداة في يد واحدة، تتصرف فيه وفق ميولاتها ونزواتها الخاصة دونما اكتراث بمطالب وآراء أفراد الشعب أو من ينوب عنهم.



أما المفكر المغربي الكبير عبد الله العروي، فلن يتناول مفهوم الحرية بشكل نظري صرف، بل سيحاول البحث عن تجليات وتمظهرات هذا المفهوم داخل المجتمع وداخل الحياة السياسية، مميزا بين الأشكال التقليدية التي كانت تسمح بنوع محدود من التحرر بفعل الحواجز التي كانت تجابه بها الفرد أينما حل وارتحل، والتي هي من نوع عائلي أو طائفي أو قانوني أو شرعي، وإذا حاول تخطي أي من هذه الحواجز، واجه صراعا قلما يخرج منه سالما مع ممثلي كل نوع من أنواع الحواجز المذكورة. أما الأشكال الحديثة للفعل الحر فهي تتخذ طابع عملية تحرير مستمرة تدخل في صراعات متعددة مع كل الهيئات التي تمثل القانون، ينتج عنه تقلص أو تمدد لحرية الفرد. فالحرية حسب العروي مرتبطة أشد ما يكون الارتباط بمستوى تقدم الطبقة أو المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد. من جهة أخرى يعتبر صاحب " مفهوم العقل" أن الحديث عن الحرية لا يستقيم خارج إطار الدولة التي تنصب نفسها كضامن لحريات أفرادها، وهي نقطة يلتقي فيها مع هيغل الذي اعتبر الدولة أداة لعقلنة المجتمع وإحدى أبرز تجليات تحقق العقل في التاريخ.



وفي ارتباط بالممارسة السياسية، التي يتجسد فيها مفهوم الحرية بشكل أوضح، تحاول حنا أردنت تأسيس الحرية، في إطار قانوني ينظم العلاقات بين الحاكم والمحكومين وتجنب الخوض في هذا المفهوم باعتباره مسألة باطنية. ذلك أن اعتبار الحرية حقا يشترك فيه جميع الناس، يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمان هذه الحرية، ويحددان مجال تعايش الحريات. أما الحديث عن حرية داخلية، فهو حديث ملتبس وغير واضح. إن الحرية، حسب أرندت، مجالها الحقيقي والوحيد هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرها، فتلك هي إذن الحرية الحقيقية والفعلية في اعتقاد صاحبة " وضع الإنسان المعاصر".



خاتمة:



يبدو لنا ، من كل ما تقدم على أن مفهوم الحرية مفهوم زئبقي، كلما اعتقدنا أننا قبضنا عليه، يعود ليفلت من جديد ، فإذا كنا نتفق مع جول لكي، على أن الحرية هي القدرة على التصرف بأفكارنا وسلكها في نظام غير محتوم، و أنها هي الحقيقة الأولى السابقة على كل حقيقة، فإننا نتفق أكثر مع ميرلوبونتي الذي يرى بأن هناك تفاعلا مستمرا وتداخلا متصلا، بين الذات التي تتصرف من جهة وبين المواقف – أو الظروف- التي تجد نفسها إزاءها من جهة أخرى. وقد يستحيل في بعض الأحيان أن نحد نصيب الحرية ونصيب الظروف في كل فعل من الأفعال التي تقوم بها الذات الإنسانية. فالحرية الإنسانية، في اعتقاده كما في اعتقادنا، ليست حرية مطلقة، بل هي دائما حرية مجاهدة liberté militante .



مع تحيات موقع تفلسف tafalsouf.t35.com



**************



**********



**



2- إعداد : زهير قاسيمي، السعدية ناصر ، رضوان العصبة







مقـدمة :



إن الإنسان لهو في الأصل موجود طبيعي و لكنه بين كائنات الطبيعة جميعا أشدها حنينا إلى التخلص من جبرية الظواهر، و أقواها نزعا نحو التحرر من أسر الضرورة، و على الرغم أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي لا يكاد يكف عن تكذيب شهادة شعوره، واضعا وجود نفسه موضع تساؤل و من هنا فإننا ما نكاد نتحدث عن مشكلة الحرية حتى يتملكنا دوار عقلي عنيف فإننا نعرف أن هذه المشكلة هي مشكلة صراعه مع الطبيعة و المجتمع و الماضي و الله نفسه.و قد حاول الإنسان أن يحطم هؤلاء الأغيار حتى يثبت لنفسه أنه حر فكم يلبث أن و جد نفسه وحيدا لا تستند حريته إلى شيء. ثم خيل إليه أن لديه من الإرادة ما يستطيع معه أن يبرهن عمليا على حريته فسرعان ما وقع فريسة لإرادة الفناء التي هي قضاء على كل إرادة.



و لكن ماذا عسى أن تكون هذه الحرية التي أراد الإنسان أن يجعل منها بداية مطلقه أو



خلقا من العدم؟ أ تكون هذه القدرة البشرية الفائقة مجرد تفسير عن نزوع الإنسان نحو الألوهية؟ أم هل تكون الحرية مجرد صدا عقلي لذلك النزوع الوجداني الذي ترفع الإنسان إلى أن ينشد القدرة المطلقة ؟ أم هل نقول إن الحرية هي منحة خبيثة توقعنا في الشر والهوى دون أن يكون في وسعنا يوما أن نتنازل عنها؟ و بتعبير آخر هل الإنسان حر فيما يأتيه و ما يصدر عنه من أفعال أم أنه خاضع لقوى خارجية أو داخلية لا يعلم منها شيئا ؟ و بالتالي هل يتحمل الإنسان مسؤولية أفعاله أم أنه قاصر تسقط عنه المسؤولية مادام ناصفا للقانون و الضرورة شأنه شأن الأشياء الفسيحة ؟ و من هذا هل الإنسان مخير أم مسير؟ و ماذا يعني أن يكون الإنسان حرا؟ أفي إتيان ما يريد أو في الامتناع عن تحقيق دوافعه أم في الجمود و الخمول و الفتور؟ أو ما علاقة الحرية بالإرادة؟ و إذا كان الإنسان كائنا حرا إجتماعيا يعيش داخل دولة تحكمها القوانين في علاقة الحرية بالدولة وبالتالي ما علاقتها بالقانون؟ هل الدولة ترسيخ لحرية الفرد من خلال تصنعه من حقوق وما تفرض عليه من قوانين وواجبات؟أليس في القوانين المفروضة عليه قضاء على حريته و إلغاء لمفهوم الحرية؟ ألا تكون الدولة تقييدا أو استعبادا لنا؟وإذا سلمنا بالحرية داخل الدولة مادامت تضمن لنا حقوقنا :فما هو الحد المشروع الذي ينبغي أن تتوفق عليه سيادة الفرد نفسه؟ و أين تبدأ سلطة المجتمع؟ و ما هو القدر الذي ينبغي أن نعهد به إلى الفردية؟ و القدر الذي الذي ينبغي أن نعهد به إلى المجتمع في صميم سيادتنا البشرية؟



I - الحرية و الحتمية :



الواقع أن الحرية لا يمكن أن تفهم إلا في ضوء نقيضها ،لأنها لو كانت مطلقة لأصبحت كلمة جوفاء لا تعني شيئا و لا تدل على أي شيء . حقا إن بعض الفلاسفة يأبى أن ننسب إلى الحرية مفهوما سلبيا لأنه لا يريد أن تكون الحرية مجرد إنكار للضرورة و لكن من المؤكد أن فهم الضرورة قد يساعدنا على تحديد معنى الحرية، و قد ظهرت الضرورة عند اليونان أول ما ظهرت على صورة فكرة القدر، فترددت في المأساة اليونانية باعتبارها تلك الضرورة التي لا يمكن للإنسان أن يخضع لها ولكن اليونان تصوروا الضرورة على نحوين فقالوا أولا بوجود ضرورة عمياء يخضع لها الآلهة والناس و الكائنات على حد سواء وقالوا ثانيا توجد ضرورة أخرى يقتضيها القانون الأخلاقي الذي يخضع له المرء حتى يسير في حياته سيرا مستقيما .



فإذا ما نظرنا إلى مذاهب فلاسفة اليونان، نجد أن الضرورة قد ظهرت عند ليوكبس الذي قال : يوجد قانون يسبب انفصال الذرات من الخليط الأول و انحدارها من الكون من أجل تكوين الأشياء كما ظهرت عند أفلاطون الذي جعل من الضرورة آلهة تحت مركز العالم كما وردت عند أفلاطون في أسطور الإرER الذي تجعل الكون يدور حول محور من الضرورة ثم ظهر هذا التعارض بين الضرورة والحرية بشكل واضح عند مفكري اليونان حينما ناصر الأبيقوريون الحرية بينما نادى الرواقيون بالضرورة.



1 - العقل بين الجبر و الاختيار



لقد تحول التفكير في الحرية داخل الثقافات الإسلامية إلى التفكير في علاقة في علاقة الفعل الإنساني بالفعل الإلهي و قد شكل هذا الموضوع أحد أهم النقاشات التي عرفها علم الكلام . فالجبرية قالت بان الإنسان موجد لأفعاله وخالق لها إذ لو افترضنا أن الإنسان موجد لأفعاله و خالقا لها، فقد سلمنا بان ثمة أفعال لاتجري على مشيئة الله و اختياره، و قلنا يوجد خالق ثان غير الله بيد أن الحرية تقدم لها نصيرا بين مفكري الإسلام في شخص المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن الإنسان خالق لأفعاله لان القول بعكس ذلك يبطل التكليف بهدم الدين أم الأشاعرة فقد حاولوا الجمع بين الموقفين ماسمي بنظرية الكسب.



ولما اشتد الخلاف في الإسلام بين أنصار الحرية و خصومها ظهر محاولات جديدة بقصد التوفيق بين القول بإرادة حرة و القول بالقضاء و والقدر يقول ابن رشد (إن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي عبارة عن أضداد، و لكن اكتساب تلك الأشياء لا يتحقق لنا إلى بمواتات أسباب سخرها الله لنا من خارج فالأفعال المشوبة إلينا تتم بالأمرين معا أعني بإرادتنا و بالأسباب الخارجية) حتى إن ابن رشد سلم بحرية إرادتنا لكنه لا يذكرون وجود الضرورة أصلا يقول : إذا و رد علينا أمر مشتها من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار و تحركنا إليه. تكون إرادتنا الباطنية معلولة للأسباب الخارجية ليس إلا توكيدا للنظرية القائلة بالقضاء و العدل بهذا يضحي ابن رشد بالحرية لحساب حريته لا هوتية.



2- الحرية و الحتمية



في إطار إشكال علاقة الحرية الإنسانية مع الحتمية و الضرورة ينفي اسينوزا الحرية على الفعل الإنساني وعن كافة الأشياء الأخرى و يعتبر المخلوقات جميعها محددة بعلل خارجية بمعنى أنها خاضعة لمنطق الحتمية. و هي لايعدم حجة يدافع بها عن رأيه : لنتصور مثلا حجرا متدحرجا بقوة خارجية يستمر بعدها هذا الحجر في حركته رغم توقف القوة الدافعة له و هذا الاستمرار هو فعل إكراه بسبب العلة الخارجية. وهب أن هذا الحجر قادر على التفكير ففي هذه الحالة سيعتقد أنه حر في إرادة التحرك لأنه لا يعي سوء الجهد الذي يبذله له و يجهل تماما العلل الخارجية التي تتحكم في فعله حقيقة يقول اسينوزا : عن النفس لا تنطوي على أية إرادة حرة أو مطلقة بل هي مجبورة على أن تريد هذا أو ذاك بمقتضى علة هي أيضا مشروط بعلة أخرى، و هذه العلة محددة بدور علة أخرى و هكذا إلى مالا نهاية. و هكذا كل ما يحدث في الوجود يرجع في نهاية الأمر إلى تلك العلة الأخرى أي انه يصدر ضرورة عن طبيعة الله المطلقة بيد أن اسبينوزا يقول في موضع إن الإنسان الحر هو ذلك الذي يعمل وفقا لمناهج العقل، فلا يكون سلوكه ناجم عن الخوف من الموت، بل يكون مبعثه الرغبة في الخير رغبة مباشرة و معنى هذا إن اسبينوزا يقول بنوع من الجبرية الخلقية.



أما كانط فيعتبر الحرية خاضعة لنوع من أنواع السلبية ألازماني يقول على القدرة على تأسيس حالة ما تأسيسها ذاتيا و هكذا تكون الحرية عن فكرة متعالية عن التجربة و إذا كان سبب الحرية لازما بنا فإن السبب الطبيعي حسب كانط يقوم على الترابط المنطقي بين السابق و اللاحق و من الجدير بالملاحظة عند كانط الإشارة إلى أن الحرية بالمفهوم العلمي تعني الاستقلال في الحكم عن إكراهات ميول الحساسية. حسب كانط إذن إننا خاضعون لقوانين الضرورة في جانبنا الذي يخضع للزمان و يتحقق في عالم التجربة و بذلك فإن أفعالنا مرتبطة ارتباطا ضروريا لما قد تقدمها. و في وسعنا أن نقرر أننا أحرار في طابعنا الخلقي حسنا كان أم رديئا، و نحن الذين نخلق بأنفسنا هذا الطابع الخلقي بفعل حر حال على الزمان بل قد تكون ذاتنا الحقيقية المعقولة هي التي تريد أن تكون خيرة أو شريرة بفعل لا زماني،فتجيئ حياتنا الزمنية فتكون بمثابة تغير مرئي عن ذلك لاجتياز الأصلي الذي تحققه الذات المتعالية. و هكذا يقرر كانط أننا أحرار مجبرون فنحن أحرار إذا نضرنا إلى ذاتنا المتعالية على الزمان و نحن مجبرون إذا نظرنا إلى ذاتنا التي تتحقق في الزمان.



و في الفلسفة المعاصرة يرفض ميرلوبونتي فكرة الحرية المطلقة كما تصورها سارتر كما يرفض فكرة الحتميات الطبيعية و النفسية و الاجتماعية المعتمدة في العلوم الإنسانية . فالإنسان كائن موضوعي موجود في العالم ومع الآخرين و وجودهم معطى تلقائي محكوم بعوامل تاريخية و نفسية و اجتماعية لكنه في خضم هذه الإكراهات و العوامل المترابطة يستطيع تغيير تجاه حياته، كما يستطيع أن يمنحها معنى بشكل حر و إرادي، إنها عوامل ليست ضرورة حتمية بل عرضية يمكنها أن تحدث أو لا تحدث.



و يذهب العروي إلى أن أغلب العلماء الطبيعيين يتكون في مبدأ الحرية الإنسانية و يعتبرون أن الشعور الذاتي بها يخفي جميلا مؤقتا بالدوافع الحقيقية لاختيارات البشر، إذا كان العلم في بداية العهد الحديث اعتبر وسيلة لتحرير الإنسان من قيود الطبيعة فإن التجربة أظهرت في هذا القرن أن العلم قد يخدم الحرية كما يحاصرها و يقضي عليها.



- IIالحرية و الإرادة :



1- حرية الإرادة



تتحدد الحرية في مدلولها العام ، بأنها الفعل الإنساني الغير المقيد ، أما في لسان العرب فإن الحرية معناها التحرر و الحرية هي ضد العبودية ، أما في الميدان الفلسفي ، فتعتبر الحرية من أقدم المشكلات الفلسفية و أعقدها ، إذ تصدى لها الفلاسفة اليونان ، ومازالت مركز الاهتمام الفلاسفة و مفكري اليوم .



وقد ارتبط هذا المفهوم اشد الارتباط ،بمفهوم الإرادة باعتبارها شرط للحرية وفي هذا الصدد يقول بوسوية " كلما بحنث في أعماق قلبي عن السبب الذي دفعني إلى الفعل لن أجد فيه غير إرادتي ، ومن هذا المنطلق تطرح مجموعة من التساؤلات :



- هل يمكن نسبة الحرية إلى إرادتنا أم أن الحرية في غنى عنها؟



- هل الإرادة شرط للحرية ؟



- ماذا نعني بالإرادة ؟



لقد اعتبرت المدرسة العقلية بقيادة ديكارت ، أن المعرفة هي المجال الحقيقي الذي تستطيع فيه الإرادة الحرة ، أن تختار فيه الحرية ، وأن تصدر أحكامها ، وهكذا فإن ما يعصم من الوقوع في الخطأ هو حرية الإرادة و الاختيار و حسن استعمالها ، ومن هذا فإن ديكارت من خلال نصه الإرادة هي حرية الاختيار " المقتطف من كتابه التأملات .يرى أن هناك فكرة أساسية مفادها أن الأحكام التي نصدرها عن الأشياء ،تكون معقولة كلما كانت الإرادة حرة وهذه الإرادة تكون سابقة عن الفعل بعيدا عن المؤثرات و الضغوطات الخارجية .



إذا كانت المدرسة العقلية قد اعتبرت أن مجال المعرفة هو مجال ممارسة الإرادة الحرة ،فإن المدرسة الأخلاقية النقدية مع كانط اعتبرت أن مجال الوحيد الذي يمكن التكلم فيه عن إرادة حرة هو مجال الأخلاق ،وفي هذا السياق نجده يقول : "إن الإنسان بوصفه كائنا عاقلا يستطيع اعتمادا على إرادته الحرة ، وضع القواعد العقلية للعقل الإنساني و الخضوع لهذه القواعد " وهذا مايتضح من خلال نصه "الإرادة الحرة " المقتطف من كتابه " أسس ميتافيزيقيا الأخلاق " الذي يرى فيه أن الحديث عن وجود إرادة حرة ، لا يستقيم إلا خارج دائرة الرغبات و الميولات و هو بذالك يقصي البعد الحسي الغريزي من مجال الفعل الإنساني جماليا كان أو أخلاقيا. مثله مثل – شوبنهاور - الذي يرى أن كل إنسان في هذا العالم له إرادة في العيش غير عقلانية، لأنها تسند إلى رغبات و طموحات نفسية و لمعالجة هذه الإرادة النفسية في العيش، لابد من وجود أخلاق تدعو إلى الشفقة و نكران الذات و تطالبا بالعدل للتوفيق بين أنانيتها و أنانية الآخرين.



اما في القرن 18 و في إطار علاقة الحرية بالإرادة في ظل مجتمع ديمقراطي فنجد أليكسيس دوطوفكيل يعتبر أن حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة، فبقدر ما عنده من إرادة بقدر ما عنده من حرية وهذا ما نجده في كتابه – الديمقراطية في أمريكا -حيث إن المساواة تبعد الفرد عن العبودية ليتمتع بإرادة حرة و آمنة، فالإرادة هي التي تدفعه لممارسة حريته السياسية داخل المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، بعيدا عن الضغوطات التي تفرض عليه من الخارج، و لذلك فإن أليكسيس يميز بين نوعين من الحرية :



· الحرية النسبية : هو الخلاص من القسر و الإكراه الإجتماعي، و الحر هو الذي يأتمر بما أمره القانون، و يمتنع عما نهى عنه و الغرض في ذلك هو ضمان الاعتراف بحقوق الغير و احترام حرياتهم الإرادية، و هو الطريق الآمن و الأطول نحو العبودية .



· الحرية المطلقة: هو حق الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط فيها، و قد يدفعه هذا الاستقلال نحو الفوضى و التجرد بشكل مفاجئ.



إذا انتقلنا إلى الفلسفة الوجودية، فإن الحرية قد احتلت مركز الصدارة في فلسفة جون بول سارتر، فهو يرى أن الإنسان ليس حرا فقط بل هو الحرية نفسها فالحرية ليست صفة تضاف إلى الطبيعة الإنسانية، و ليس خاصية من خصائصها بل هي نسيج الوجود الإنساني و في هذا السياق يقول : ليس الوجود شيء يقدم إلي بل أنا أهب الوجود إلى نفسي. و يتأكد هذا الموقف من خلال نصه- الإرادة شرط للحرية-المقتطف من كتاب الوجود و العدم يرى أن الإنسان هو الذي يصنع ماهيته و صفاته بنفسه، فالفرد قادر على صنع ماهيته حسب إرادته الحرة، دون أن تكون لظروف خارجية أو لأي قوة تأثير على حريته،وسارتر أكد حرية الفرد و قدرته على اختيار أفعاله بنفسه، لان الوجود سابق على ماهيته.



.لقد ارتبط مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي بمسألة الجبر و الاختيار، و هذا ما نجده عند ابن باجة حيث يميز بين نوعين من الأفعال:



· أفعال اختيارية مرتبطة بالإنسان أي أن الفعل الإنساني هو فعل إرادي واختياري، و هو الذي يحدد بنيته الشخصية فيساعده ذلك على الرؤية و التفكير السليمين و الإصابة في الآراء و الأحكام و أخرى إصرارية مرتبطة بالحيوان أو ما يسميها ابن باجة بالأفعال البهيمية لأن الإنسان كائن عاقل و هذا ما يميزه عن باقي الكائنات أما إذا عدنا إلى الكتاب المقرر و ألقينا نظرة على نصه المقتطف من كتابه– تدبيير المتوحد- يتضح أن الفعل الإنساني حسب ابن باجة هو فعل اختياري و هذه ميزة تميزه عن باقي الكائنات.و المقصود بالاختيار – الإرادة - الكائنة في نفسه فالحيوان يتقدم فعله عما يروج في نفسه من أفعال و لذلك فان ابن باجة يرى أن الإنسان يحمل في نفسه ميزتين أساسيتين :



· أفعال بهيمية : المتمثلة في اللاإرادية كهروبه من أمر مفزع.



· أفعال إنسانية : و المتمثل في الأفعال التي تساهم في إبعاد الأذى عن الغير و هي إرادية.



2- إرادة الحياة



لقد جاءت أفكار نيتشه معادية لأفكار كانط شوبنهاور و رفض أخلاقيتهما الداعية إلى الشفقة و نكران الذات فحياة الإنسان تصير إرتكاسية حينما يهيمن على نشاطها عامل السلب و النفي و الإنكار فيكون في حاجة إلى التعلق بأوهام تقدم ذاتها في صورة قيم و مثل عليا مفارقة، يتخذها كأقنعة و كمبررات يعلن باسمها الجهاد ضد الحياة و الحرب ضد الوجود و هذا ما يجعل القوى الإرتكاسية تنتصر فيه القوى الفاعلة و إذا أخدنا نص إرادة الحياة المقتطف من كتابة جينالوجيا الأخلاق يميز نيتشه فيه بين نمطين من الإرادة:



· إرادة إنكارية :

و هي تقوم على تبخيس الحياة فيها وهي صادرة عن حياة مرضية أصابها الوهن و الضعف و العياء فلم تعد بقادرة على توكيد الحياة لأنها مليئة بالمفارقات و التناقضات ، و مصدرا للشر و الألم ، و لهذا أصبحت خالية من القيم ولم تعد تستحق أن تعايش .



· إرادة توكيدية :

و هي صادرة عن حياة قوية و سليمة، تتمتع بصحة جيدة و لهذا فهي منفتحة إلى الحياة وتسعى إلى توكيدها بكل اختلافاتها وتناقضاتها بكل آلامها و أفراحها دون نقص و بدون أدنى شعور بالدونية والخطيئة وهو الحل من أجل الانتقال من إرادة الضعيف إلى إرادة القوي بالمعنى النيتشاوي من أجل إقامة علاقة مع الحياة و الوجود.



V- الحرية والقانون



شكلت العلاقة بين الحرية والقانون واحدة من القضايا التي اهتمت بها الفلسفة منذ البدايات الأولى لهذه الأخيرة،خاصة إذا ما نحن استحضرنا ذلك الارتباط القوي بين الفلسفة والمدينة اليونانية ككيان قانوني تمارس فيه الحقوق التي تضمنها المواطنة بكامل الحرية في ضوء سلطة تسهر على تدبير الاختلافات بين المواطنين،فلا غرابة إذن أن ترفع الفلسفة مفهوم الحرية إلى مستوى المفهوم الفلسفي، لتجعل منه إشكالا فلسفيا خصصت له حيزا كبيرا من مجهودها الفكري سمته بالفلسفة السياسية.



ولهذا الاهتمام ما يفسره وذلك بالنظر إلى الطبيعة السياسية للإنسان التي تحتم عليه التنازل عن مجموعة من الحريات قص تحصيل حريات أخرى يضمنها القانون، لكن القانون من هذه الزاوية بالذات يعتبر مقيدا للحرية، إذ ما معنى أن أكون حرا إذا كنت ملزما بالتخلي عن جزء من حريتي الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل:ما طبيعة العلاقة التي تربط الحرية بالقانون؟هل القانون ضامن للحرية أم أنه ضد الحرية؟ بعبارة أوضح نقول: هل الحرية والقانون متعارضان أم أنهما منسجمان؟



يجيبنا توماس هوبس عن هذا السؤال في كتابه "المواطن"بالتأكيد على ضرورة توحد الحرية بالقانون، بحيث يمسي القانون هو الضامن للحرية،وهو الأمر الذي يتم من خلال تنازل الجميع عن حقهم في ممارسة القوة لصالح شخص واحد مقابل أن يصبح هذا الأخير ممثلا للقانون، ومعلوم أن هوبس كان من المؤسسين لفكرة المجتمع المدني باعتباره مجتمع الحرية المدنية التي يلجأ إليها الإنسان بعد خيبة أمله في حريته الطبيعية، فهوبس يقيم تمييزا بين الحرية الطبيعية والحرية داخل المجتمع المدني، في الحالة الأولى يكون الفرد حرا بشكل مطلق فلا حدود تعيق ممارسته لكامل حريته، لكن هذه الحرية حسب هوبس غير مجدية لأنها بقدر ما تضمن للفرد الحق في ممارسة الحرية بشكل مطلق بقدر ما تمنح للآخرين الحق في التعدي والتطاول على هذه الحرية، لذلك يدعم هوبس الحالة الثانية، أي الحرية المقننة والمحمية بالقانون هذا الأخير الذي يضعه المجتمع في إطار مشروع سياسي.



فكيف يمكننا أن نتصور الحرية على المستوى المجتمعي والحياة السياسية؟



ذلك هو السؤال الذي حاول عبد الله العروي الإجابة عنه في نصه المقتطف "مفهوم الحرية"من خلال رصده لتمظهرات الحرية في تجربتها الواقعية الأولى باعتبارها تجربة الإمكان والاستطاعة بالمعنى المادي، أي القدرة على فعل ما نرغب فيه.بيد أن هذه الاستطاعة تمسي داخل المجتمع مطالبة بأن تقنن بواسطة القانون فيصبح معنى الحرية ها هنا هو السماح للفرد بالقيام بما يسمح به القانون، أي ما لا يعرضه للعقاب.هكذا تعني الحرية حسب العروي "مجموع الحقوق المعترف بها للفرد ومجموع القدرات التي يتمتع بها".



ومعنى هذا أن الحرية تقترن بالقانون وأي محاولة لتجاوز حدود هذا الأخير تؤدي إلى الدخول في صراع مع ممثلي القانون مما يسفر عن اتساع حرية الفرد أو تقلصها.لذلك يؤكد العروي على ارتباط مستوى الحرية بمستوى الجماعة والطبقة التي ينتمي إليها الفرد، كما يبين صاحب النص أنه من الصعب تحديد معيار لدرجة الحرية داخل المجتمع، لذلك يصبح مفهوم الحرية أكثر زئبقية عندما يدخل مضمار الحياة المجتمعية والسياسية.لذلك فحضور الدولة مهم لتنظيم العلاقات داخل المجتمع.



ولابد من التأكيد على أن مفهوم الحرية عند العروي يرتبط بمفهومي الدولة والعقل، فوجود الحرية يفترض بالضرورة وجود الدولة التي تحتكم إلى القوانين الموضوعة بطريقة عقلانية، ويستوحي العروي تصوره هذا من الفلسفة السياسية عند هيجل عندما يتحدث هذا الأخير عن علاقة الفرد بالدولة حيث تنصهر حرية الفرد في قوانين الدولة وتأسس هذه الأخيرة كضمان للحرية.



في هذا ألإطار أي علاقة الحرية بالقانون يطالعنا نص الفيلسوفة الألمانية حنا أراندت" ما الثقافة " الذي تتناول فيه مفهوم الحرية من خلال ربطه بالمجال السياسي، وبالضبط من خلال ممارسة الفرد لحريته بشكل فعلي داخل الحياة اليومية، آنذاك فقط يمكن للفرد أن يشعر بحريته من خلال احتكاكه بالعالم الخارجي ودخوله في علاقات مع أفراد المجتمع هذا الأخير الذي تحكمه القوانين، ولا يمكن لشعور الفرد الداخلي بالحرية أن يمكنه من لمس المعنى الحقيقي للحرية، فهذه الأخيرة لا تتحقق إلا داخل الحياة العامة المنظمة سياسيا. كما تؤكد أراندت على أن الحرية لا تتحقق داخل المجتمعات الاستبدادية لأنها تمنع ظهور الحياة العامة والتي تعتبرها أراندت شرط أساسي لتحقيق الحرية التي يمارسها الأفراد على مستوى الواقع. فلوجود الحرية لابد من وجود نظام سياسي تحكمه قوانين تعمل على تنظيم الحياة العامة.



هذا الموقف دافع عنه قبلا مونتسكيو حين قال بالنظام السياسي الديمقراطي الذي يسمح للأفراد بالقيام بما يريدون في ظل شروط يضعها القانون، فالقوانين هي التي تنظم العلاقات داخل المجتمع وتضمن الحريات، وهذا النمط من الحرية يوجد داخل الحكومات المعتدلة التي تقوم على مبدأ الجمهورية، هذه الأخيرة تقوم بدورها على الفضيلة، فغايتها هي ضمان الخير الأسمى للمجتمع، وهذا هو الشكل الذي من شأنه حسب مونتسكيو أن يضمن لنا الحرية، إلى جانب تنظيم السلط كي لا تتجاوز أي سلطة القوانين، بمعنى الحد من تعسف سلطة بسلطة أخرى من خلال تقسيم السلطات إلى: سلطة تشريعية تراقب السلطة التنفيذية ،هذه الأخيرة التي تملك حق انتقاد السلطة التشريعية، وهناك السلطة القضائية التي يجب أن تنفصل نهائيا عن السلطة التنفيذية.



هكذا حسب مونتسكيو يمكن للدولة أن تضمن الحرية للأفراد ويمكن للأفراد ممارسة حريتهم في ظل القانون.و هذا هو المعنى الذي يعطيه بنجامان كونستان لمفهوم الحرية فهو يرى بأن الحرية في معناها الحديث تعني عدم الخضوع إلا للقوانين، بمعنى أن يفعل الإنسان ما يشاء ويمارس كل ما من شأنه أن يجعله إنسانا حرا يلمس حريته، إلا أن هذا الفعل لا يجب أن يخرج عن الإطار القانوني الذي تضعه الدولة.



هذا هو الموقف الذي يتبناه كونستان ويعتبره أعم من المعنى التقليدي لمفهوم الحرية، أي المعنى الميتافيزيقي للحرية. هكذا يكون القانون ضروري لضمان حرية الأفراد من خلال تنظيم العلاقات سواء بين الأفراد أو بين الجماعات و المؤسسات... إلى غير ذلك من أشكال التنظيم الإجتماعي والسياسي . وفي الختام نشير إ لى أن القوانين وضعها الإنسان لخدمة الإنسان، والإشكالية تبقى في اختلاف التصورات والتمثل لمفهوم الحرية ولمفهوم القانون.



معـــــــــــــــجم المــــــــــفاهيم -الخاص بدرس الحرية-







الأخلاق: كلمة الخلق تستعمل في اللغة بمعنى السجيّة وبمعنى الطبع والدين والمروءة وفي الاصطلاح ملكة من ملكات النفس واظهر خاصة بهذه الملكة هي صدور الأفعال عن الإنسان من دون لمعان نظر أو إعمال فكر ويقول آخرون الخلق صورة الإرادة وفي قول ثالث بأنه عادة الإرادة وموضوعه. الأخلاق يجيء لفظ "الخلق" ولفظ الأخلاق وصيغ أخرى تنبثق منهما وصفا لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات: ذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة لذا جاء سلوكه مرتبطا بالفكر ، ومتوافقا مع ما يدين به من اعتقاد. كذلك فإن الإنسان منذ نشأته يمارس الحكم الأخلاقي على الأشياء ، فهذا خير وذاك شر ، وهذا حسن ، وذاك قبيح ، وهذا نافع ، وذاك ضار الأمر الذي جعله يستحق وصف أنه كائن أخلاقي، ويطلق لفظ الخلق ويراد به القوة الغريزية التي تبعث على السلوك كما يراد به السلوك الظاهر "أي الحالة المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء.



الإرادة: القدرة على تحديد مفهوم الذات، إنها قدرة المرء على اتخاذ القرار، وبخاصة في القضايا المصيرية، أو على الاختيار بين مختلف البدائل، أو العمل في بعض الحالات من غير أن تقيد إرادته عوائق طبيعية أو اجتماعية أو غيبية، وهي نقيض "الحتمية" التي تقول بأن أفعال المرء هي ثمرة عوامل سابقة لا سلطة له عليها، والقائلون بحرية الإرادة يبنون موقفهم على أساس من الاعتقاد السائد في مختلف المجتمعات بأن الناس مسؤولون عن أعمالهم الشخصية وهو الاعتقاد الذي تنبني عليه جميع مفاهيم القانون والثواب والعقاب، وتعتبر الوجودية أكثر الفلسفات الحديثة تشديدا على حرية المرء ومسؤوليته عن أعماله.



الحتمية:مبدأ علمي مفاده أن الظواهر الطبيعية مشروطة بأسباب ضرورية وثايثة، ومن ثمة إمكان التنبؤ بها عند معرفة القوانين المتحكمة فيها، إنها إثبات أن لكل حدث ما أو نتيجة ما سبب، وان نفس الأسباب تنتج نفس النتائج.



الحرية: القدرة على الفعل أو عدم الفعل إراديا دون تدخل شيء آخر غير الإرادة.



الحق: هو الصواب إذا أريد به الفعل وإن أريد به القول كان قولاً حسناً وإن أريد به الاعتقاد كان علماً مطابقاً للواقع. يعتبر مفهوم الحق من المفاهيم الأساسية التي تداولها الفلاسفة من القديم، لارتباط إشكالية الحق بالهموم الإنسانية، ولمواكبتها للحياة السوسيوأخلاقية. ويبرز مفهوم الحق في التمثل الشائع بدلالات متنوعة : فتارة يفيد معنى الحقيقة، وتارة أخرى يفيد معنى القسط أو النصيب في الإرث مثلا. وقد يقصد بالحق الذات الإلهية أو إحدى صفاتها... وقد يعني أحيانا القانون أو التشريع الذي بموجبه ينصف الأفراد وتؤطر علاقاتهم مع بعضهم البعض ...الخ.



الحق الطبيعي: هو الحق المستقل عن القوانين التي أسسها المجتمع، والمنتمي إلى طبيعة الكائن الإنساني ذاته، وهكذا تعتبر الحرية والمساواة كحقين طبيعيين.



الزهد: مذهب أخلاقي يقوم على تحقير اللذة الحسيّة وممارسة الرياضات الروحيّة ابتغاء الكمال وعند المتصوفة هو عبارة عن بغض الدنيا والإعراض عنها طلباً للآخرة.



الشَرْع: ما حمّل اللّه تعالى النبي
وأمره بأدائه والزم الناس القيام به.



أن الوجود البشري يخضع لحتمية كونية، من هنا مبرر الحديث عن الشغل كضرورة، والمفهوم الذي يقابل مفهوم الضرورة هو مفهوم الصدفة.



الضرورة: خاصية لازمة لكل ما يتصف بالوجود، وهي نابعة من الظواهر ذاتها وتشير إلى انتظامها وترتيبها وبنائها. فالضرورة هي ما لا بد أن ان يحدث بالضرورة في شروط محددة. وتعتبر عند البعض إلزاما على اعتبار



الظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه،وهو الجور، وفي الشريعة عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل. ظن هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض.التعدي عن الحق إلى الباطل.



العاقل: يجد هذه الصفة من نفسه ويفرق بينه وبين كونه معتقداً ناظراً مدركاً.



العدالة: الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق.ب إحدى الفضائل الأربع الرئيسيّة في الفلسفة اليونانيّة.عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينه.



القانون: لفظ يوناني أو سرياني يراد به مسطر الكتابة وفي الاصطلاح هو والقاعدة بمعنى واحد وهو الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئيّاته التي يتعرف أحكامها منه.



المجتمع الـــــــــمدني: هو المجتمع التعاقدي المنظم وفق القانون بمقابل المجتمع الطبيعي القائم على الحرب والأهواء.




دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : السعادة

محاور الدرس




1) تمثلات السعادة.



2) البحث عن السعادة.



3) السعادة و الواجب.

تـقـديـــم:




ليس يخفى، أن الفلسفة تنقسم إلى ثلاثة مباحث كبرى وهي : مبحث المعرفة ومبحث الانطولوجيا ومبحث القيم . ويطرح كل واحد من هذه المباحث جملة مفاهيم وإشكالات. ومن بين جملة تلكم المفاهيم التي يطرحها مبحث القيم، نلفي مفهوم" السعادة ". فما هي دلالة هذا المفهوم ؟



الدلالة المتداولة:



يتباين الناس في تمثلهم للسعادة، فمنهم من يرى السعادة في الصحة ، ومنهم من يراها في المال، ومنهم من يراها في الصداقة، ومنهم من يراها في راحة البال، ومنهم من يراها في تلبية كاملة للرغبات، وتحقيق المتعة في شتى أشكالها … والعلة في اختلاف الناس في تمثلهم للسعادة هو جانب النقص الذي يعاني منه كل إنسان، فالفقير يرى السعادة في المال، والمريض يرى السعادة في الصحة، والأعزب يرى السعادة في الزواج وهكذا…



هذا، ويلفت الانتباه في تمثلات الناس للسعادة، أنه يغلب عليها الجانب المادي الذي يقترن بما هو إرضاء للحواس.



الدلالة اللغوية :



أ‌- لسان العرب : ابن منظور



جاء في" لسان العرب" : سعد السعد بمعنى اليمن، وهو نقيض النحس. والسعود خلاف النحوسة، والسعادة خلاف الشقاوة . ونقول سعد يسعد سعدا وسعادة فهو سعيد ، نقيض شقي والجمع سعداء .



ويشتق من نفس الجدر ثلاثة ألفاض تشترك في نفس المعنى وهي : الساعد والسعدان والسعد.



فلفظ الساعد يدل أولا، على ساعد الإنسان أو الطير أو القبيلة : فساعدا الإنسان ذراعاه ، وساعدا الطائر جناحاه ،وساعد القبيلة رئيسها. ويدل ثانيا، على مجرى المياه ، فسعيد المزرعة نهرها الذي يسقها. ويدل ثالثا ، على مخرج اللبن في الناقة . أما لفظ السعدان فيدل على نبات ذي شوك من أطيب مراعي الإبل. وأما لفظ السعد فيدل على الطيب ذي الرائحة الزكية.



إن ما يمكن استنتاجه من هاته الدلالات هو :



أولا : اقتران السعادة بالإرضاء و الارتواء. فالنهر الذي يسقي المزرعة يرويها، ولبن الناقة يروي ويشبع صغيرها، ومنبت شوك النخل يشبع جوع الإبل، والطيب يشبع النفس برائحته العطرة.



ثانيا : اقترانها بالعضوين اللذين يدبران الجسد، وهما: الساعدان.



ومن هنا يكتسب اليمن دلالتين :



الأولى : تشير إلى ما هو مادي محسوس، وتتمثل في الإرضاء والإشباع.



الثانية : تومئ إلى ما هو عقلي، وتتمثل في التدبير، فعمدة المدينة وساعدها هو رئيسها وعقلها المدبر لشؤونها والمسير لها نحو ما هو أفضل لها. ولا يمكن في هذا السياق تصور سعادة بدون تعاون واجتماع.



يتضح من كل ما سبق، أن التعريف اللغوي للسعادة قد وسع من دلالتها، بشكل جعلها تنفتح على عنصر لا مادي، من طبيعة عقلية واجتماعية وسياسية تتعلق بالتفكير والتدبير.



الدلالة الفلسفية :



أ- المعجم الفلسفي : جميل صليبا [1]



السعادة هي الرضا التام بما تناله النفس من الخير. والفرق بينها وبين اللذة أن السعادة حالة خاصة بالإنسان، وأن رضا النفس بها تام. إذ من شرط السعادة أن تكون ميول النفس كلها راضية مرضية، وأن يكون رضاها بما حصلت عليه من الخير تاما ودائما. في حين أن" اللذة " حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان، وأن رضا النفس بها مؤقت .



وإذا كانت السعادة هي حالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للرغبات يتسم بالثبات، فانه متى سمت إلى مستوى الرضا الروحي ونعيم التأمل والنظر، أصبحت غبطة . و إن كانت هذه أسمى وأدوم.



وللفلاسفة في حقيقة السعادة آراء مختلفة: فمنهم من يقول إن السعادة هي في إتباع الفضيلة (أفلاطون)، ومنهم من يقول إنها في الاستمتاع بالملذات الحسية المدرسة (القورينائية)، أما أرسطو فانه يوحد الخير الأعلى و السعادة ، ويجعل اللذة شرطا ضروريا للسعادة لا شرطا كافيا. وعين الأمر يقول به أبيقور الذي اعتبر اللذة هي غاية الحياة ، وان كان هو يقيم فروقا بين اللذات. أما الرواقيون فإنهم يرجعون السعادة إلى الفعل الموافق للعقل، وهي- أي السعادة- في نظرهم غير ممتنعة عن الحكم ، وان كان طريقها محفوفا بالألم .



ب‌- موسوعة لالاند الفلسفية : أندريه لالاند [2]



السعادة هي حالة رضا تام تستأثر بمجامع الوعي .



السعادة هي إرضاء كل الميول وإشباعها.



يتبدى لنا من كل ما سبق، أن مفهوم السعادة تتداخل فيه دلالات متباينة قاموسية وفلسفية وتمثلية .كما يلوح لنا أن هذا المفهوم تتقاطع فيه حقول مختلفة بيولوجية واجتماعية وسياسية وميتافيزيقية وسيكولوجية . فضلا عن أنه يتاخم جملة من المفاهيم الفلسفية الأساسية: كاللذة و الألم والفضيلة والخير الأعلى والعقل والنفس والسياسة والعدالة والخيال و الفطرة و المحاكاة و الواجب والغير و الإرادة …



هذا، ويطرح مفهوم السعادة جملة من الإشكالات من أهمها : ما هي السعادة؟ هل طلب السعادة غاية كل الناس ؟ ولماذا ؟ هل نطلب السعادة من أجل ذاتها أم من أجل أشياء أخرى ؟ ولماذا؟هل يمكن تحقيق السعادة ؟ وبأية وسائل ؟ ما هي علاقة السعادة بالواجب ، هل هي علاقة تكامل أم علاقة إعاقة ؟ بمعنى أخر هل تكمن السعادة أساسا في أن نفعل ما نريد أم في انصياعنا للواجب والقانون ؟ هل السعادة واجب نحو الذات أم نحو الغير أم هما معا ؟



كل هذه الإشكالات التي أثارها مفهوم السعادة و أخرى، سنحاول التعرف على إجابتها من خلال نصوص بعض الفلاسفة الذين تناولوا هذا المفهوم تحديدا واستشكالا…



المحور الأول : تمثلات السعادة



تـقــديــــم :



يختلف الناس و الفلاسفة على السواء في تمثلهم للسعادة. فالعوام يربطونها بالثروة و الجاه و النفوذ و تحقيق المتعة في شتى أشكالها و عموما يمكن القول أن التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة الجسدية. أما الفلاسفة فهم أيضا يختلفون في تمثلهم للسعادة ،فمنهم من يراها في علاقتها بالفضيلة و التأمل العقلي و منهم(فلاسفة الإسلام) من حاول التوفيق بين التأمل العقلي و ما هو ديني أي السعادة الاخروية ، و هناك من يرى أن كل هذه التمثلات حسية و جزئية ، أما عندما نتحدث عن مفهوم السعادة نكون محتاجين إلى " كل مطلق ". و هناك من الفلاسفة من يعتبرها فردية و منهم من يعتبر أن السعادة لا تكون إلا داخل دولة . و آخرون يقولون بأنه من المستحيل أن نستدل على وجود السعادة بل يجب أن نعمل على تحصيلها فهي ممارسة .



أمام هذا التعدد في تمثل السعادة نجد انه لابد من طرح بعض الإشكالات :

*هل السعادة ممكنة ؟



* هل يمكن أن نستدل على وجودها ؟



*هل هي غاية كل الناس ؟



*هل يمكن بلوغها ،و بأية وسائل ؟



*هل نطلبها من اجل ذاتها أم من اجل أشياء أخرى ؟



الموقف الأرسطي :



إن الغاية من السياسة باعتبارها ،هي تحقيق الخير الأسمى الذي هو السعادة و هذا النعت للخير الأسمى بالسعادة يشترك فيه كل من العامي و الفيلسوف «فالعامي كالناس المستنيرين يسمي هدا الخير الأسمى سعادة»[3] إلا انه و على الرغم من هدا الاتفاق فإننا نجد أن هناك بونا شاسعا في تمثل المفهوم بين العامي و الفيلسوف و« انقسام الآراء هذا مرده إلى الاختلاف بشان طبيعة السعادة و أصلها» [4] فمتمثلات السعادة لدى الطبائع العامية تختلف من شخص لآخر فالمريض يراها في اكتساب الصحة ، والمعوز في اكتساب المال و العاشق يراها في الزواج من معشوقته . « إنها ليست إلا شيئا نافعا و مطلوبا لأشياء أخرى غير ذاتها» .[5]



أما الفيلسوف فهو يرى عكس ذلك فالسعادة عنده هي غاية بل غاية الغايات و هي تطلب لذاتها «ينبغي وضع السعادة بين الأشياء التي تختار من اجل ذاتها إذ هي قائمة بذاتها» [6] و كل الأشياء الأخرى إنما تطلب كوسيلة لتحقيقها« كل ما يمكن تصوره إنما يطلب من اجل ما عداه إلا السعادة إذ هي غاية بحد ذاتها » [7]



وعموما يمكن القول أن التمثل العامي يختلف عن تمثل الحكماء دلك أن التمثل العامي يغلب المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة و اللذة لدلك يرى أرسطو انه« لا يوجد ..إلا ثلاثة صنوف من العيشة يمكن على الخصوص تمييزها .أولها هده العيشة التي تكلمنا عليها انفا (عيشة العوام) ،ثم العيشة السياسية أو العمومية ،و أخيرا العيشة التأملية و العقلية» و يرتبط بكل نوع من هده العيش ثلاث أنواع من السعادة، فأما العيشة الحسية وهي سعادة اللذة الجسدية ، لذة الطعام والشراب والجنس وهي لذة يشترك فيها الإنسان والحيوان ، وهي سعادة وقتية ولو طلبت لذاتها لأدى ذلك الإسراف فيها ، ثم إلى فقد الإحساس باللذة ثم تنتهي إلى الألم والمرض ، فتحققها ليس من السعادة بشيء ، أما الثانية فهي السعادة السياسية مطلوبة من الكثير من الناس ، ولكنهم ما يلبثوا أن يشعروا بالتعاسة عندما يفقدوا مراكزهم ، ويعرفوا أن الناس كانوا يعظمونهم لأجل الوظائف التي يمثلونها وليس لأشخاصهم ، كأن هذه السعادة وقتية وهي متوقفة على الناس يمنحونها ويسلبونها وفقاً للمركز الشخصي لا للقيمة الذاتية ، إذاً هي ليس خير في حد ذاتها وليس دائمة فقد يعقبها الإهمال والتحقير . السعادة الثالثة هي السعادة العقلية فهي التي ترمي إلى تحقيق الفضيلة باعتبار أنها العمل بمقتضى الحكمة ، والحكمة ملكة عقلية تكتسب بالتمرين والتعود على طلب الحق والخير الصحيح وفضائل الحكمة عملية ونظرية ، وتبين لنا الحكمة العملية أن الفضيلة قوة تكتسبها عن طريق ممارسة أعمال تتوفر فيها الإرادة الحرة والمعرفة والنزوع إلى الخير . وإذا بحثنا عن الفضائل نجد أنها تقع في الوسط ما بين المغالاة " الإفراط " والتقصير "التفريط " مثل الشجاعة وسط بين رذيلتين هما التهور والجبن ، والكرم وسط بين الإسراف والبخل والعدل وسط بين المحاباة والظلم ، وتحكم العقل والإرادة في تعيين الفضيلة يتم عن طريقهما الممارسة الواقعية للفضيلة ، فإذا عود الإنسان نفسه أن يتلمس الفضيلة دائماً ويقوم بها فإنها تصبح طبيعة فيه يتجه إليها من دون تردد وبذلك تتحقق له السعادة .



موقف ابن مسكويه :



يحاول ابن مسكويه تقديم التمثلات السائدة عن السعادة لدى كل من الحكماء و العوام و هو اد يُفصل في هدا فيقول إن الحكماء من أمثال فيتاغورس و بقراط و أفلاطون لما قسموا السعادة جعلوها كلها في قوى النفس ،أي القوى الثلاث : القوة الغضبية،القوة الشهوانية ،و القوة العاقلة القوة الشهوانية التي تحرك الإنسان إلى ما يشتهيه أو يجذبه من الملذات والخيرات. والقوة الغضبية التي تحركه إلى "الغضب" عدوانا أو دفاعا أو نجدة. والقوة الناطقة العاقلة وهي التي يحصل بها التمييز والروية والتفكر. ولكل من هذه القوى فضيلتها: ففضيلة النفس الشهوانية العفة، وفضيلة النفس الغضبية النجدة، وفضيلة النفس العاقلة الحكمة. ومن اعتدال هذه الفضائل الثلاث ومن نسبة بعضها إلى بعض تحدث فضيلة رابعة هي كمالها وتمامها وهي العدالة و اجمعوا على أن« هده الفضائل هي كافية في السعادة و لا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن و ما هو خارج البدن»[8] و بالتالي فالسعادة عندهم هي سعادة نفس و« سائر الأشياء الخارجة عنها ،فليست عندهم بقادحة في السعادة البتة»[9]



أما الرواقيون فجعلوا السعادة في النفس غير مكتملة إذا لم تقترن بالجسد أو حتى ما هو خارج الجسد هدا بخلاف المحققين من الحكماء الدين لا يربطون السعادة بما هو خارج الجسد فيعتبرونها تابثة لا تتغير و لا يلحقها زوال و لاتغيير .



أما العامة فتختلف طبائعهم في تمثل السعادة بحسب حاجياتهم ،فالمريض يراها في اكتساب الصحة ، والمعوز في اكتساب المال والغريب في العودة لوطنه و عموما يمكن القول إن التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة و اللذة . و الحكماء يرون أن كل هذه التمثلات سعادة و لكن شريطة أن تكون «عند الحاجة و في الوقت الذي يجب و كما يجب و عند من يجب، فهده سعادات كلها، و ما كان منها يراد لشيء أخر ؛فلذلك الشيء أحق باسم السعادة »[10] فالمريض مثلا يجد السعادة فيما يحتاج إليه و هي الصحة .



موقف الفارابي :



لما كان المقصود من الوجود الإنساني بلوغ السعادة عن طريق إدراك المعقولات او المبادئ التي يتاسس عليها وجود الكون و الإنسان ثم كانت هده المعقولات لدى جميع الناس أصحاب الفطر السليمة و التي « يسعون بها نحو أمور و افعلا مشتركة لهم ؛ ثم بعد دلك يتفاوتون و يختلفون فتصير لهم فطر تخص كل واحد و كل طائفة »[11] لزم عن اختلاف الفطر عدم قدرة كل إنسان على أن يعلم من تلقاء نفسه السعادة و لا ان يعملها ،فوجب بدلك ضرورة وجود معلم أو مرشد يرشده إلى الكيفية التي تمكنه من ان يجعل السعادة غايته ثم « يعلم الأشياء التي ينبغي أن يعملها حتى ينال بها السعادة»[12] و تبعا لاختلاف الفطر جب على المعلم أن يسلك طرقا مختلفة باختلاف الطوائف و الأمم ،فقد يتم ذلك بطرقة نظرية خالصة (الخاصة) أو بطريقة تعتمد على المحاكاة كفن للتبليغ و التخييل (العامة).



الموقف الأفلاطوني :



ليست السعادة حسب أفلاطون شأنا شخصيّا بقدر ما هي قضيّة تتعلّق بالمدينة ككلّ وبالتّالي لا يمكن تحقيق الكمال إلاّ في مدينة محكمة التّنظيم. «إننا لم نستهدف في تأسيس دولتنا جلب السعادة الكاملة لفئة معينة من المواطنين و إنما كان هدفنا أن نكفل اكبر قدر ممكن من السعادة للدولة بأسرها »[13] السٌعادة بالنٌسبة لأفلاطون عندئذ هي سعادة المدينة ككلٌ والتي تتحقٌق بالانسجام بين جميع أطرافها وشرائحها، فكما يجب أن يوجد انسجام في الفرد بين النٌفس العاقلة والنٌفس الغضبيٌة والنٌفس الشهوانية. فإنٌ المدينة كذلك يجب أن تنقسم إلى حرٌاس يسيٌرون شؤونها العامٌة وجنود يسهرون على الأمن ورعيٌة تقوم بالأعمال الأخرى الضٌروريٌة مثل الفلاحة والصٌناعة….إلخ. أما إذا لم يحترموا هدا النظام فإننا « نحض حراسنا و حماتنا بالوعد أو نرغمهم بالوعيد كما نفعل مع غيرهم من المواطنين على أن يؤدوا على خير وجه ما يصلحون من الوظائف»[14] فبدلك تتحقق العدالة و تزدهر الدولة و بازدهار هده الأخيرة« وعندما تزدهر الدولة بأسرها... نترك لمكل طبقة أن تتمع بالسعادة على قدر ما تؤهلها لذلك الطبيعة » [15]



الموقف الكانطي :



يحاول كانط في كتابه " أسس ميتافيزيقا الأخلاق " و بالضبط في النص الماثل أمامنا أن يحدد العلاقة التي تربط السعادة بالعقل و الخيال . بمعنى هل نتمثل السعادة بالعقل أم بالخيال. و كمحاولة للإجابة عن هدا السؤال يرى كانط أن تصور السعادة لا يمكن أن يكون بالعقل بل بالخيال،كيف ذلك ؟ إن "جميع العناصر التي تؤلف تصور السعادة ..لزم أن تستعار من التجربة " إما عندما نتحدث عن مفهوم السعادة نكون محتاجين إلى " كل مطلق " ما معنى ذلك؟



إن أمر السعادة ينصب على الوسائل الضرورية لانجاز هده الغاية ،ذلك لأنه ينجم تحليليا من الغاية التي يسعى إليها الإرادة ،تبعا للصيغة التي غدت قولا مأثورا :من يروم الغاية ،يروم الوسائل (تبعا للعقل)اللازمة للوصول إليها و التي هي في مقدوره و بالتالي فجميع العناصر التي تؤلف تصور السعادة هي في جملتها عناصر تجريبية ،أي انه يلزم أن تشتق من التجربة . أما عندما نريد أن نتحدث عن فكرة السعادة فإننا نحتاج إلى كل مطلق ،إلا أننا نجد انه من المستحيل للإنسان ككائن متناه ،محدود بحدود التجربة « أن يكون لنفسه تصورا محددا لما يبغيه هنا على الحقيقة »[16] هل يريد حياة طويلة ؟ فمن يضمن له إلا تكون شقاءا طويلا و بالتالي فمن الصعب عليه أن حدد كيف يكون سعيدا . فليس ثمة في هذا الشأن أمر يمكنه أن يقرر بالمعنى الدقيق للكلمة أن نفعل ما يجعلنا سعداء « دلكم لان السعادة هي مثل أعلى لا للعقل بل للخيال»[17] فلا يمكن انطلاقا من نتائج هي في الواقع لامتناهية أن نعطي تحديدا للسعادة .



موقف ( إميل شارتي) ألان :



يعتبر ألان أن الأمل في السعادة هو السعادة ،ألان أن الأمل في السعادة لا يعني أن ننتظر السعادة لتأتي الينا و صوبنا ،ولا يعني كذلك استحالة الحصول عليها او بلوغها ،و لا انها وهم ،بل يعني هدا أن " نعمل على تحصيلها الآن[18] دلك أن « السعادة ليست شيئا نطارده بل هي شيء نتملكه ،و خارج هدا التملك فهي ليست سوى لفظ» [19] إلا أن هدا التملك للسعادة مشروط بالرغبة في أن نكون سعداء ،لدلك يجب على المرء « أن يطلب سعادته و أن يصنعها »[20] إن ألان يؤكد هنا وخاصة في كتابه "PROPOS SUR LE BONHEUR" ان السعادة لا تتوقف على العالم الخارجي او المحيط بالشخص و إنما يتوقف على الشخص ذاته أي أن فعل السعادة لا يتحقق إلا بالإرادة .دلك أن تحقيق السعادة لا يتأتى إلا بالصراع ضد المعيقات التي تحول دون ذلك و لا يجب الاعتراف بالهزيمة طالما لم نتجاوز هذه المعيقات .*[21]







المحورالثاني : البحث عن السعادة.



تـقــديــــم :



يطرح هذا المحور الثاني من درس السعادة،إشكالين اثنين رئيسيين وهما : بأي شكل تكون السعادة ممكنة ؟ أو بعبارة أخرى هل يمكن تحقيق السعادة ؟ وإذا كان الجواب بالاجاب ، فما السبيل إلى تحقيقها ؟ وعن هذين الإشكالين الرئيسيين تتفرع جملة من الإشكالات الفرعية : هل تحقيق لذاتنا كفيل بتحصيلنا السعادة ؟ وهل كل اللذات تحقق لنا السعادة ؟ ما علاقة السعادة بالزمن ؟ هل السعادة أمر دائم أم أمل عابر ؟ وما علاقتها بالفنون والذوق؟…



موقف سينكا :



يطرح سينكا في هذا النص إشكال ماهي الكيفية أو الوسيلة التي من خلالها يمكننا تحقيق الحياة السعيدة ؟ فإذا كانت السعادة هي مبتغى الناس أجمعين في هذه الحياة ، فما هي الكيفية التي بواسطتها نستطيع أن نحصلها؟ بيد أنه لاحظ أنه بمجرد ما يطرح هذا السؤال حتى تختلط علينا الأمور. وحتى يزول هذا الخلط على الإنسان- في نظر سينكا- أن يحدد هدفه بكل دقة، ثم بعد ذلك ينظر في كل الاتجاهات عن السبيل الكفيل بأن يقوده إلى تحقيق هدفه بأقصى سرعة، هذا الطريق أو السبيل الذي ينبغي أن يكون مستقيما حتى نتمكن من أن نعرف كل يوم كم تقدمنا وكم اقترفنا من هدفنا ، هذا الهدف الذي تدفعنا نحوه الرغبة اللازمة لطبيعتنا. و حتى نتمكن من اختيار الطريق المستقيم الذي وحده سيقودنا إلى تحقيق هدفنا علينا أن نستعين بإنسان خبير أو مرشد حكيم يكون سبق له وأن اختبر الهدف الذي نقصده . هذا ، ويحذرنا سينكا عند عزمنا السفر بحثا عن السعادة أن نسلك الطريق الأكثر استعمالا. إذ هو الأكثر تضليلا ،وما هذا السبيل الأكثر استعمالا إلا طريق أو سبيل العامة,بل بالضد من ذلك، علينا أن نبتعد عن طريق المحاكاة ،أي الاستقلال عن الطريق الذي تتبعه العام في تحصيل السعادة وإتباع طريق" العقل". [22]



موقف أبيقور :



إن المتأمل في هذا النص بأجل نظر وأدقه، يتبدى له أن أبيقور يطرح فيه قضية السعادة في علاقتها بمبدأ اللذة .هذه القضية التي يمكن صوغها في اشكلين اثنين وهما: هل تحقيق لذاتنا كفيل بتحصيلنا السعادة ؟ وهل كل اللذات تحقق لنا السعادة ؟



يجيب أبيقور عن الإشكال الأول بالا جاب فيقول : " إن اللذة هي مبدأ الحياة السعيدة وغايتها ". بمعنى أخر أن تحقيقنا للذاتنا، وتجنبنا للألم- كما سيذكر في موضع آخر من النص-هو ما يجعلنا سعداء . وبهذا تكون السعادة عند أبيقور هي:" لذة تلحق النفس والجسد ". لكن، دون أن يعني هذا أن كل ا لذات تحقق لنا السعادة - من وجهة نظر أبيقور- . إذ من الذات ما يكون مفعولها عكسيا ، بمعنى أنه عوض أن تحقق لنا السعادة تتسبب لنا في الألم . والعكس صحيح ، فمن الآلام ما يكون وراء الصبر عليها تحصيل لذة أعظم. ومن هنا فلا ينبغي علينا أن نبحث عن كل اللذات وبالمقابل علينا ألا نتجنب كل ألآلام . هذا، ويشدد المذهب الأبيقوري على فضيلة القناعة ،أي أن نقنع بما نملك وان كان قليلا . إذ المتعة التي نجدها في تناول الطعام البسيط، ليست أقل من تلك التي نجدها في المآدب الفاخرة، بشرط أن يزول ألألم المتولد عن الحاجة . فقليل من خبز الشعير والماء يجعنا نشعر بلذة عظيمة إذا كانت الحاجة إليهما شديدة. والى جانب تشديده على فضيلة القناعة يؤكد أبيقور على العيش البسيط، دونما أن يعني ذلك التقشف. فالقناعة و العيشة البسيطة لهما أفضل ما يضمن لنا الصحة الجيدة ، وما ييسر لنا الاستجابة لمتطلبات الحياة الضرورية، كما أنهما يجعلننا عند وجودنا أمام ما لذ وطاب من الأكل، قادرين على التمتع بذلك حق التمتع. فتناول ما لذ وطاب من الأكل يوميا ينقص من لذة تمتعنا به. فضلا عن أن تشبثنا بفضيلة القناعة والعيشة البسيطة يجعلننا لا نخشى تقلبات الدهر .[23]



موقف شوبنهاور:



يطرح شوبنهاور في هذا النص إشكالين وهما : ما هو الأصل في هذا العالم؟ أهو الألم و العذاب أم المتعة و الإشباع ؟ وهل السعادة أمر دائم أم أمل عابر ؟



يعتبر شوبنهاور أن حقيقة هذا العالم أو ماهيته هي الألم والعذاب و الحرمان ، أي أن الأصل في الحياة هو الألم والحرمان أم الإشباع و البهجة فهما ليسا سوى أمل عابر أمام الألم والعذاب والشقاء الدائمين. وشوبنهاور ينعت هذه السعادة غير الدائمة العابرة اللحظية بالسعادة" السالبة" ، لأنه سرعان ما يعقبها :"إما شرا مستجدا وإما فتورا وانتظارا" لسعادة لحظية عابرة أخرى .وإذا كان الأمر هكذا، فان هذا ما يفسر لنا عدم اكترتنا بما لدينا من ممتلكات وامتيازات ،لأن السعادة التي تمنحنا إياها ليست سوى إعفاءا لنا من بعض العذابات. ويدلل شوبنهاور على أطروحته بالفن وبخاصة الشعر، حيث نجد موضوع القصيدة الملحمية أو المأساوية لا يمكن أن يكون سوى شجارا أو جهدا أو معركة . وهذه المواضيع كلها تمثل الألم والشقاء الذي يتحمله الإنسان في سبيل تحقيقه سعادة سالبة، أي سعادة لحظية عابرة.



ومن كل ما سبق، نخلص إلى أن الأصل في الحياة بحسب شوبنهاور هو الألم والشقاء، وأن السعادة هي مجرد لحظات عابرة ، تتخلل بين الفينة و الأخرى هذا المسير من الألم والعذاب الذي يحكم حياتنا كلها.[24]



موقف دافيد هيوم :



يعالج دافيد هيوم في هذا النص إشكال علاقة السعادة بالفنون والذوق .إذ يميز هو بين نوعين من الرهافة :" رهافة الإحساس" و"رهافة الذوق".



فالأفراد الذين لهم رهافة في الإحساس يكونون بالغي الحساسية تجاه عوارض الحياة وحوادثها، فأنت تجدهم فرحين بالحياة مقبلين عليها كلما كان هناك أي حدث طيب يمسهم . وبالضد من ذلك شديدي التألم عندما يمسهم ما يحزنهم. وعين الانفعالات التي يحس بها من لديه رهافة الإحساس عند مصادفته لحدث طيب أو لحدث مؤلم، يشعر بها من لديه "رهافة الذوق"، عند مصادفته كل جمال أو قبح أو تشوه . فلما نقدم له قصيدة شعرية أو لوحة فنية، فان رهافة ذوقه تجعل كل جوارحه ترتعش أمام ما يقدم له ، فيتذوق جمال الخطوط التي خطتها يد الرسام، ويتذوق الكلمات التي كتبها الشاعر. وبالمقابل نجده يشعر بالاشمئزاز أمام كل ما ليس بجميل، أمام كل فعل تم انجازه بدون دقة. وبالجملة، فحتى نحصل السعادة - بحسب هيوم – علينا" تهذيب ذوقنا" ليكون راقيا، حتى نتمكن من اختيار وفهم الفنون الأكثر نبلا التي ستشعرنا بالسعادة ، سواء كانت شعرا أو نثرا أو موسيقى أو رسما .[25]



المحور الثالث׃ السعادة و الواجب .



تـقــديــــم :



ﺇن الإنسان باعتباره كائن طبيعي- اجتماعي كان لزاما عليه الدخول ﺇلى القيم اﻷخلاقية،لكي يتحرر من دوافعه الغريزية وما يمكن ﺃن يترتب عنها من عنف تجاه الآخرين. فباﻹضافة ﺇلى ازدواجية الطبيعي والاجتماعي التي تشكل حقيقة اﻹنسان هناك ازدواجية ثانية تطبع وجوده اﻷخلاقي هي ازدواجية اﻹلزام و اﻹلتزام،ﺇلزامية أخلاقيه تفرضها قيم المجتمع ,والتزام أخلاقي يستمد مبادئه من وعي الإنسان.



من داخل جدلية اﻹلزام و اﻹلتزام يطمح اﻹنسان ﺇلى خلق توازن لبلوغ السعادة باعتبارها الغاية القصوى للفعل الإنساني المتجه نحو تجسيد قيم أخلاقية فردية وجماعية،وتحديد الواجبات التي على كل فرد القيام بها سواء نحو ذاته ﺃم تجاه الغير.وﺇذا كان اﻷمر كذلك فان السعادة تبنى داخل علاقات ﺇنسانيه يتشابك فيها واجب ﺇسعاد الذات بواجب ﺇسعاد الغير مما يحفزنا على طرح التساؤلات التالية׃



ما هي علاقة السعادة بالواجب ،هل هي علاقة تكامل ﺃو علاقة ﺇعاقة؟



بمعنى ﺁخر، هل يكمن ﺃساس السعادة في فعل ما نريد،ﺃم في الانصياع للواجب و القانون،طبيعيا كان ﺃو ﺃخلاقيا؟



وإذا كانت هناك علاقة بين السعادة والواجب فهل السعادة واجب نحو الذات ﺃم نحو الغير, ﺃم هما معا؟



وفي الختام كيف يمكن بلوغ السعادة في ظل تمفصلاتها مع مفاهيم الواجب والغير والإرادة؟



موقف ابكتيت :



ﻠﻺجابة عن هده التساؤلات يمكن الاستئناس بأحد المواقف الفكرية التي حاولت ربط السعادة بالواجب والإرادة والمتمثلة في الفيلسوف الرواقي "ابيكتيت" epectète" ( 125-50) الذي يعتبر من أهم أعلام الفلسفة الرواقية التي ظهرت في نفس الفترة التي ظهرت فيها الأبيقورية وكانت معارضة لها. تنطلق هذه المدرسة من فكرة أن في الطبيعة قانون و عقل و اﻹنسان جزء من هذه الطبيعة و ﻫﻨا العقل.وإذا استنتجنا من ﻫﻨﻩ الفكرة في نظرية المعرفة نتائجها الأخلاقية نجد ﻫﻨﻩ المدرسة تدعو اﻹنسان إلى أن يحيا وفق ﻫﻨﻩ الطيعة إذا أراد ﺇدراك السعادة و تجنب الشقاء، وﺇلا سيكون متمردا على



القانون الطبيعي.



ويتعرف الإنسان على قانون سيرته في ﻫﻨﻩ الحياة بالرجوع إلى ميوله الأساسية التي وضعتها الطبيعة فيه لتدله على ما يريد. والميل الأول ﻫﻮ حب البقاء الذي يهديه لتمييز ما يوافقه وما يضاده. و اﻷبيقورية في نظرهم على ضلال حين رأت أن الميل الأول طلب اللـﻨة، فما اللذة و الألم ﺇلا عرض ينشأ حين يحصل الإنسان على ما يوافق طبيعته أو بضادها لذلك تنقلب اللذة ألما وشرا ﺇن ظلت لذتها دون النظر ﺇلى مدى مطابقتها للقانون الطبيعي و اﻹرادة الكلية،ففي تلك المطابقة وحدها الحكمة والخير والفضيلة والسعادة.ولعل ابكتيت لايخرج عن تعاليم مدرسته،فهو يرى على غرارها أن الطريق الموصل ﺇلى السعادة هو الخضوع للقانون الطبيعي و اﻹردة الكلية التي هي مبدأ كل ما يحدث.ففي العالم أشياء تتوقف علينا وأشياء خارجة عن إرادتنا، فكلما تحركنا في دائرة الأفعال التي تخصنا توصلنا ﺇلى السعادة، في حين يؤدي التحرك خارج ﻫﻧﻩ الدائرة أو التطلع ﺇلى الأشياء الخارجة عن ﺇرادتنا أو التي توجد تحت سيطرة الغير ﺇلى اﻹاضطراب والشكوى ،وبالتالي ﺇلى التعاسة. [26]



ﺇن مايجلب للناس التعاسة ليست اﻷشياء في ذاتها بل اﻵراء التي لديهم عنها، فالموت حسب ابيكتيت ليس شرا وألما في ذاته ولو كان كذلك لبدا لسقراط كذلك.بل إن الشر يكمن في الرأي الذي لدينا عن الموت بأنه شر وألم فذاك هو الشر أما الموت في ذاته،مطابق للقانون الطبيعي و اﻹرادة الكلية.فكل اﻷشياء العرضية كالموت وغيره ليس متعلقا بإرادتنا وليس خيرا أو شرا بالذات بل متعلقا باﻹرادة الكلية والقانون الطبيعي،فمن الحماقة أن نهلع لمرض أو نحزن لنكبة وما هذه اﻹانفعالات لمجدية لدفع هذه اﻷخطار بل من الواجب أن نعتصم بإرادتنا الفردية ونحتفظ بحريتنا لنرتفع بأنفسنا فوق كل شيء لانخاف،لانحزن بل نقبل كل مايصبنا من رزايا.فمن واجب اﻹنسان ﺇذا أرادا أن يحيا سعيدا وبإمكانه ذلك أن يعمل على مطابقة ﺇرادته الفردية مع اﻹرادة الكلية.



موقف كانط :



ﺇذا كانت الرواقية في شخص ابيكبيت قد رأت أن الطريق الموصل ﺇلى السعادة هو الخضوع للقانون الطبيعي، فان "ﺇيمانويل كانط"﴿1724-1804﴾يرى أن هذا القانون أخلاقيا وليس طبيعيا،عقليا وليس مستمدا من الميول الأساسية عند اﻹنسان.فالسعادة عنده لا يمكن أن تكون مستقلة عن القانون الأخلاقي وعن مبدأ الواجب،لأن ميدان الأخلاق والذي تعتبر السعادة غايته ليس ميدانا لتحليل العواطف الإنسانية كما ذهب إلى ذلك دفيد هيوم،وﺇلا لكانت المبادئ الأخلاقية مبادئ متنازع عليها. [27]كما أنه لايمكن أن يكون مستمدا من الميول ا لأساسية التي وضعتها الطبيعة في الإنسان كما ذهب إلى ذلك ابيكتيت. معنى هذا أن للأخلاق أصول عامة شامله وصادقة في كل زمان ومكان .ولكن ما الذي يدفعنا لأن نخضع لهذه المبادئ اﻷخلاقية؟ يجب كانط: «مامن منفعة تدفعني إلى هذا إذ لو كان الأمر كذلك لما أمكن قيام أمر أخلاقي مطلق.». [28]لأن مبدأ الأخلاقية مستقل تمام الاستقلال عن طبيعتنا الحسية فهو مستمد من الصورة الخالصة للعقل دون الاستعانة بالحساسية.كما أن اﻹنسان نظرا لتميزه بالعقل في غير حاجة ﺇلى الفلسفة أو العلم لفعل ما يجب عليه القيام به،ففي تجربة الصراع بين الضمير والأهواء ينبثق المبدأ العقلي للواجب الذي يلزم ﻹنسان بتطبيق القانون ﻹخلاقي حتى ولو تعارض مع ميولا ته ومنطلق هذا الواجب هو اﻹرادة الخيرة، ﺇﺫلا قيمة للفضائل بدون ﻫذاﻹرادة.



من هذا المنطلق صرح كانط أن السعادة باعتبارها كل مطلق مركب من مجموعة من الرغبات يصعب تحقيقه أو تعريفها،ﻹن جميع العناصر التي تؤلفها هي في جملتها مستعارة من التجربة مما يجعلها مفهوما للخيال وليس للعقل.في حين نجد اﻹنسان لكونه كائن متناه عاجز عن تحقيق تصور محدد لما يريد.لكن لو انتقلنا من تصور يشرط السعادة بتحقيق رغبة ما أو إقصائها إلى تصور يجعل منها غاية تبنى داخل مجال العلاقات اﻹنسانية ويجعله منها أيضا موجها لتصرفاته سواء نحو ذاته أم نحو الغير،لأمكن الأمل فيها متى كنا مؤهلين لها بقانون أخلاقي.الشيء الذي يحيلنا على طرح مجموعة من التساؤلات يمكن صياغتها على الشكل التالي:هل السعادة واجب نحو الذات أم نحو الغير،أم هما معا؟وكيف يمكن إسعاد ﺫاتي وﺇسعاد الغير؟وما علاقة السعادة بالرغبة و اﻹرادة؟



موقف راسل و ألان :



ﺇن اﻹجابة عن ﻫﺫا التساؤلات تقتضي منا التمييز بين موقفين،موقف يرى أن اﻹهتمام بالغير بمودة تلقائية للتعرف عليه وفهم خصوصيته وتفرده يشكلان مصدر ﺇسعاد الغير؛وبالتالي سعادة الذات؛وهو" لبرتراند راسل"وموقف آخر يرى أن السعادة ممكنة عندما تتوفر لدى اﻹنسان ﺇرادة طلبها،غير أنها لايمكن أن تتجه للغير دون اﻹلتزام بإسعاد الذات أولا،وهو"ألان" بالنسبة لراسل يدافع عن حق كل ﺇنسان في السعادة، دون أن يكون ذالك على حساب الآخرين، لكن من زاوية أن السعادة الحقيقية لا تكمن في أنواع الموضات والهوايات و التي تعد بمثابة هروب من الواقع بل تنبثق من فكرة التضحية بالذات التي يفرضها اﻹحساس بالواجب ، بوصفه أمرا أخلاقيا مطلقا وملزما كما ذهب ﺇلى ذالك كان كانط. لهذا تراه- مثلا- يقف على مظاهر الإحراج الذي يطرحه مشكل الواجب الأسري تجاه الأبناء من صرامة وعناية من جهة،ومن جهة أخرى الحرص على المعاملة الطيبة بغية إفساح المجال أمام المشاعر الإنسانية من عطف وحب وسعادة، ولعل هذا الموقف يتضامن مع نظرته للفلسفة التي جعل مهمتها تناول المنطق الخالص و الرموز والتركيبات ولا تعنى بالتشريع لما هو واقعي. ففي عالم الكيانات و العلاقات المنطقية المجردة تنزوي الفلسفة و العقل بعيدا عن تقلبات الشهوة و الانفعال. فراسل يطرد العقل من مجال الأخلاق وهذا ما جعله عندما يتحدث عن سعادة الغير يقول: "* ربما كان حب كثير من الناس تلقائيا وبدون مجهود، أعظم مصادر السعادة الشخصية"* معنى هذا أن الآخر يجب أن يكون محبوبا وليس مقبولا على مضض. في المقابل نجد ألان ''إميل شارتي'' يصرح بإمكانية السعادة إذا توفرت للإنسان إرادة طلبها،فمن السهل على المرء أن يكون مستاء، و من السهل عليه أيضا أن يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا، لكن بالمقابل من السهل عليه أن يصنع من أشياء قليلة وبسيطة مظاهر السعادة التي يلتمسها في علاقته ب الآخر. بذلك يناشدنا آلان بعدم الاستسلام عند مواجهة الصعوبات وألا نعترف بالهزيمة قبل مواجهة ومقاومة نبذل فيها أقصى ما نملك من القوة. فالسعادة لا توجد هناك بل مرتبطة برغبتنا وإرادتنا. فمن الواجب علينا أن نصنعها ونناضل من أجلها ونعلم الآخرين فن الحياة السعيدة وذلك بعدم التحدث أمامهم عن تعاستنا. فالشقاء واليأس منتشران في الهواء الذي نستنشقه جميعا، هذا يعني أن السعادة واجبة نحو الذات لأن سعادتنا تعني مباشرة سعادة الغير و تعاستنا تعني تعاسة الغير.[29]



إن رفض السعادة حسب ألان هو السبب فيما تعرفه الإنسانية من مآس وحروب، فهذه الجثث و الخراب و التبذير، و التقوقع هي من أفعال أناس لم يعرفوا في حياتهم قط، كيف يكونوا سعداء، ولا يطيقون رؤية كل من حاول أن يكون سعيد. فنحن مدينون بالاعتراف و التتويج، لأولئك الذين تغلبوا على هذه السموم وعملوا على تنقية جو الحياة الاجتماعية. لتصبح السعادة في نهاية المطاف قيمة أخلاقية توجه تصرفات الإنسان في علاقته بذاته وبالآخر.



إذا كان كل من برتراند راسل و آلان قد تحدثا عن السعادة بوصفها غاية تبنى داخل مجالات العلاقات الإنسانية، فإن الفيلسوف المؤمن يؤمن بوجود سعادة أخروية تمثل لذة بلا عناء وكمالا بلا نقصان. ولعل الغزالي لم يحدثنا عن هذا التصور في كتابه" المنقذ من الضلال"حيث يحاول تكييف ثوابت العقيدة الإسلامية مع التجربة الصوفية المتحررة من ظاهر النص في مقاربته لمفهوم السعادة.



إن الشرط الأساسي لتحصيل السعادة عند الغزالي هو قطع علاقة القلب بالدنيا، و كف النفس عن الهوى، ومجاهدة الجسد لكبح رغباته، ثم المواظبة على العزلة و الخلوة والإعراض عن شواغل الحياة التي تشوش صفوة الخلوة وتقليد الأنبياء في المواظبة على العبادات، لأن السعادة تحصل بالقلب وليس بالعقل.



خاتــــــمـــــة :



يسمح النقاش الفلسفي حول مفهوم السعادة أولا بوضعه داخل المجال الأخلاقي القيمي بدلا من النظر إليه من زاوية شخصية فردية ،و ثانيا بادراك تعقيد و لبس هذا المفهوم حتى و إن كان الجميع متفق على أن السعادة هي الغاية القصوى الموجهة لكل سلوك أو فعل إنساني .كما يسمح هذا النقاش بادراك تمفصلات هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى كمفهوم الرغبة و الإرادة و الحرية ،و أخيرا وضع هذا المفهوم في اطار العلاقات الأساسية لتصبح السعادة قيمة أخلاقية يلتزم فيها الإنسان بواجب إسعاد ذاته وواجب إسعاد الغير .



مع تحيات موقع تفلسف tafalsouf.t35.com



[1] المعجم الفلسفي ،تأليف الدكتور ،جميل صليبا ،دار الكتاب اللبناني ، طبعة سنة 1971 .



[2] موسوعة لالاند الفلسفية ،منشورات عويدات ،بيروت لبنان .



[3] مقرر،مباهج الفلسفة،السنة الثانية من سلك الباكلوريا، المجزوءة الرابعة : الأخلاق ،مفهوم السعادة ،ص 191



[4]نفس المرجع ،ص 191



[5] نفس المرجع ،ص 191



[6] مقرر،في رحاب الفلسفة،السنة الثانية من سلك الباكلوريا، المجزوءة الرابعة : الأخلاق ،مفهوم السعادة ،ص 201



[7] نفس المرجع ،ص 201



[8] مقرر السنة الثانية من سلك الباكلوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية،المجزوءة الرابعة: الأخلاق، مفهوم السعادة، ص 193.



[9] نفس المرجع ،ص 193



[10] نفس المرجع ،ص 193



[11] مقرر،منارالفلسفة،السنة الثانية من سلك الباكلوريا، المجزوءة الرابعة : الأخلاق ،مفهوم السعادة ،ص200



[12] نفس المرجع ،ص 200



[13] مقرر،منار الفلسفة ، السنة الثانية من سلك الباكلوريا ،المجزوءة الرابعة : الأخلاق ،مفهوم السعادة ،ص 202 .



[14] نفس المرجع ،ص202



[15] نفس المرجع ،ص202



[16] مقرر،في رحاب الفلسفة،السنة الثانية من سلك الباكلوريا، المجزوءة الرابعة : الأخلاق ،مفهوم السعادة ،ص 202



[17] نفس المرجع،ص 202



[18] مقررمنارالفلسفة، السنة الثانية من سلك الباكلوريا، ،مسلك الآداب والعلوم الإنسانية،المجزوءة الرابعة: الأخلاق، مفهوم السعادة، ص 201 .



[19] نفس المرجع ،ص 213



[20] مقرر،في رحاب الفلسفة، السنة الثانية من سلك الباكلوريا، ،مسلك الآداب والعلوم الإنسانية،المجزوءة الرابعة: الأخلاق، مفهوم السعادة، ص206



[21] *Alain (Émile Chartier) Propos sur le bonheur Un document produit en version numérique par Robert Caron, bénévole, professeur de lettres à la retraite du Cégep de Chicoutimi Dans le cadre de la collection: "Les classiques des sciences sociales". Site web: http://www.uqac.uquebec.ca/zone30/Classiques_des_sciences_sociales/index.html



[22] "السعادة هي مبتغى الناس أجمعين"، مباهج الفلسفة ، ص 197.



[23] المنار ، ص 205.



[24] " السعادة أمل عابر " ، المنار، ص 206.



[25] " تهذيب الذوق " ، في الرحاب،ص 204.







[26] المباهج: نص.6.ص:200.



[27] كانط:تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق.ترجمة: عبد الغفار مكاوي.ص:109-111.



[28]المباهج: نص7.ص:202.



[29] .[ 1) المنار: النص 1و2- ص: 209،208./ 1) رحاب الفلسفة: النص:5و6 – 205،209.].



دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : الواجب

محاور الدرس




1) الواجب و الإكراه.



2) الوعي الأخلاقي.



3) الواجب و المجتمع.

قديم:




يتنزل مفهوم الواجب من الفلسفة الأخلاقية منزلة القطب من الرحى، فهو أحد المقولات الأساس التي انبنى عليها التفكير الفلسفي في الشق الأخلاقي إلى جانب أخرى من قيبل: السعادة و الحرية، و اللتان تتداخلان بدورهما مع الواجب، لتشكلا في نهاية المطاف نسقا منتظما، تتداخل معاني كل مفهوم في الآخر، بل قد لا يستقيم مفهوم دون الآخر، و لا تكتمل الصورة الدلالية لواحد إلا بالرجوع إل&ÿÿ610;هم ÿÿ0;ميعا.



غير أن الناظر المتمعن في مفهوم الواجب لواجد هو نفسه يتراوح ما بين عدة مقاربات و تصورات راجعة هي إلى اختلاف زوايا نظر كل فيلسوف، و محلل نفسي، و عالم اجتماع، و اختلاف زوايا النظر ينصرف هو الآخر غلأى مجمل المفاهيم التي تشكل حجر الزاوية لكل مجال على حدة، ثم عائد كذلك إلى اختلاف المقدمات المُتأسس عليها منهج التحليل، ورغم ما يمكن أي يسجل حولها من اختلاف فهو لا يعني تعارض الأطروحات و إنما تحيك في ثوب واحد و هو مقاربة مفهوم الواجب الأخلاقي باعتباره مفهوما إنسانيا محضا، فتجد الفيسلوف ينظر فيه من جهة معناه التجريدي و التأسيسي، و عالم النفي من جهى تأثيره في الفرد و وجدانه، و عالم الاجتماع من جهة تأثير المجتمع في تمثل الواجب و تطبيقه. و لما كانت الحال هي كذلك، وجب النظر و الوقوف للحديث عن الواجب الأخلاقي كمفهوم فلسفي محض.



دلالات الواجب:



· في الحس المشترك:



يتخذ الواجب الأخلاقي في المعنى البسيط والمتداول عند العامة من الناس بأنه: تلك القدرة على التحكم في التصرفات، و ذلك الآمر الداخلي الذي يتحكم في وجدان الأفراد و يحُول دون إتيانهم تصرفات مشينة يمجها المجتمع ويقذح في مرتكبها، و انتفاء الواجب الأخلاقي عن الفرد يجعل منه حديثا للانتقاص و الاستهزاء والقدح، إنه مرادف على السمت الحسن و الصيت الطيب عند الناس، و لما كان هذا المعنى هو الشائع عند الناس فإنهم يربطونه بطبيعة التربية التي يتلقها الفرد داخل الأسرة، و في الوقت الذي تكون فيه التربية الأسرية ناقصة تنعكس و ترد سلبا على الفرد. فهل يصدق هذا المعنى على المعاجم اللغوية؟



· في اللسان العربي و اللسان الفرنسي:



يتخذ معنى الواجب في اللسان العربي عدة معان، نستقيها من المعاجم العربية، و من أهمها على الإطلاق معجم لسان العرب لابن منظور فيقول عن كلمة واجب: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً أَي لزمَ. وأَوجَبهُ هو، وأَوجَبَه اللّه، واسْتَوْجَبَه أَي اسْتَحَقَّه؛ يقال: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً إِذا ثَبَتَ، ولزِمَ. ونَفَذ. يقال: وجب البيعُ يَجِبُ وجوباً، وأَوْجَبَه إِيجاباً أَي لَزِمَ. إذن فمعنى الواجب هو: اللزوم و الثبات، أي أنه القدرة على الامتثال الدائم للناهي و الوازع الأخلاقي. إن كان هذا هو معنى الواجب في اللغة العربية فما معناه غي اللغة الفرنسية؟



أما في اللسان الفرنسي نجد مثلا معجم MICRO ROBERT: يقابل كلمة واجب بDEVOIR بمعنى: الواجب أو الإجبار الأخلاقي العام، و نقول تصرف التصرف الشخص عن طريق الواجب. كما ننعت شخصا ما بأنه رجل واجب؛ أي أنه يحترم ما تمليه الضرورة الأخلاقية. فهل تتوافق هذه الدلالات اللغوية و المعنى الفلسفي للمفهوم؟



· في الدلالة الفلسفية:



يعرف صاحب كتاب المعجم التقني و الفلسفي لالاند أن الواجب هو: الوجوب الأخلاقي الذاتي الذي يرتكز على النداء الباطني بمعزل و منأى و مبعد عن أي قاعدة خارجية كالدين و القانون، مكا أ،ه ينصرف إلى الامتثال الالزامي الذي يتأسس سلطة قهرية خارجية، و من ثمة يلتقي هذا المعنى مع الدلالات التي تطرقنا إليها في الدلالى اللغوية.



غير أن هذه التحديدات اللغوية و الفلسفية لا تنفي النظر في المواقف التي ثورت المفهوم و تحدثت عنه بوضوح التحدث، مستشكلين الموضوع الاستشكال، و متسائلين:



Ø هل الواجب الأخلاقي إرادة حرة أم أنه ضرب من القهر و الإكراه؟



Ø فإن كان إرادة حرة فعلى ماذا ينبني؟ و إن كان ميسما من الإكراه فكيف ذلك؟



Ø ما هي العلاقة الممكن إيجادها بين الوعي الأخلاقي و الواجب؟



Ø على ماذا يتأسس الوعي الأخلاقي؟



Ø هل الواجب الأخلاقي يحكمه ضمير الفرد أم ضمير المجتمع؟



Ø كيف يتدخل المجتمع في بناء الوعي بالواجب الأخلاقي؟



Ø هل الواجب الأخلاقي يتأسس على معطى فردي؟



المحور الأول: الواجب و الإكراه



تمهيد:



لئن كان للإنسان الحرية التامة في ممارسة حقوقه، فإن الأمر يختلف أشد الاختلاف حينما يتعلق الأمر بالواجب حيث يضيق مجال الحرية والاختيار ويصبح الإكراه الميسم الأساس، سواء مورس بشكل ذاتي (=الضمير) أو خارجي(= القانون، المجتمع). إذ الراجح أن يكون الواجب على شكل إلزام يفترض القيام به أو الإحجام عنه حتى وإن تعارض مع مصلحة الفرد ونوازعه الخاصة.



يتضح من ذلك أن الواجب لا يكاد ينفصل عن الإكراه. بل إن العلاقة بينهما علاقة تضايف إن لم نقل تماه، لكن ألا يمكن أن يصدر الواجب عن محض اختيار خالص إرادة حرة بعيدا عن الإجبار والإلزام؟



vموقف كانط.



عالج كانط مسألة الواجب بشكل عام في كتبه ومقالاته الأخلاقية[1] معالجة دقيقة كان الهدف منها التأسيس الفعلي والكوني لمفهوم الفعل الأخلاقي من حيث هو ضرورة عقلية نابعة من ذات إنسانية تتمتع بنوع من الحرية والاستقلال الذاتي [2]autonomie. معنى ذلك أن كل عاقل لا بد أن يقتنع ويقبل بالفعل الأخلاقي على شكل واجب ـ حتى وإن تعارض مع ميولاته الذاتية ـ مادامت الغاية هي تحقيق أكبر حرية إنسانية طبقا للقوانين ،بحيث يمكن لحرية كل واحد أن تتعايش مع حرية الآخرين. هذه المقولة تستمد قوتها من كون احترام القانون الأخلاقي الذي يحكم الجميع ضرورة لا محيد عنها حتى يتمكن الشخص من التعايش مع الجميع تحت مظلة المساواة أمام القانون. والمرجع الأساس الذي يجب أن ينطلق منه الجميع ـ حسب كانط ـ هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع. والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإرادة الخيرة الحرة ـ التي مصدرها العقل هي الأخرى ـ فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني. الإرادة تلك يجب أن تكون غاية في ذاتها تفترض أن يكون الواجب الأخلاقي هو الآخر خال من كل غاية منفعية وبالتالي غاية في ذاته. بهذه الوصفة يمكن أن يكون الإكراه الذي يفرضه العقل على الشخص نابعا من حرية ذاتية مبنية على الاقتناع، بحيث يكون الإلزام داخليا وذاتيا قائم النية الحسنة والخالصة.



الإكراه بهذا المعنى يصبح فعلا من أفعل الإرادة. إنه إكراه حر[3] يتخذ صفة الآمر القطعي المطلق والخال من الغائية. بمعنى انه يتميز عن الأمر الأخلاقي الشرطي الذي تعبر عنه عبارة "افعل كذا لتنال كذا"(مثل : لا تسرق كي لا تدخل السجن) الذي لا يصنفه كانط في خانة الأفعال الأخلاقية لما فيه من مساومة وابتذال يسلبان الفعل الأخلاقي غايته النبيلة. كما أن الأوامر الأخلاقية غير مشروطة بأية نتائج أو ميول، بل لها بداهة مباشرة، لدرجة أن الإرادة تعرف أن عليها أن تخضع لهذه الأوامر[4]، وهذه الأوامر ذات صبغة كونية شمولية هي التي تؤسس لمعنى الواجب عند كانط وفق القواعد التالية:



1. تصرف بحيث تجعل من قاعدة فعلك قانونا لنفسك ولسائر الناس.



2. تصرف دائما وفق الطريقة التي تجعلك تعتبر الإنسانية، في شخصك وفي غيرك، غاية مطلقة لا وسيلة بأي حال من الأحوال.



3. تصرف معتبرا إرادتك مشرعا لتشريع كوني.



اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام. لذلك وضع قوانينا تتسع رقعتها لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، مركزا على العقل والإرادة لطابعهما الكوني والمشترك. فالعقل العملي إلى جانب الإرادة هما المشرعين لمفهوم الواجب، الذي هو إكراه، من حيث هو فعل خاضع للعقل، وللحرية، لأن مصدره الإرادة فهل يمكن تصور إرادة بدون حرية؟ أليس في هذه الحرية ما يجعل إتيان الفعل الأخلاق نابع من رغبة الإنسان في أن ينال استحسان الآخرين (المجتمع)؟



vموقف دوركهايم.



الجواب على هذا الإشكال يجد مقدماته النظرية عند عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم حيث يرى، هو، أنه بالإضافة إلى الطابع الإلزامي الذي يسم الواجب، ثمة رغبة و ميل نحو انجاز الفعل الأخلاقي الخير. الواجب بهذا المعنى محط رغبة[5]، ما دام الإنسان خير بطبعه كما يقول روسو، وليس فقط محض إلزام كما يرى كانط. إننا نشعر بنوع من اللذة لا مثيل لها عند ممارستنا للواجب، بسبب أنه واجب[6].



لم يعد الواجب مع دوركهايم مجرد معطى متعالي خالص وإنما هو مرتبط بتجربة الذات في علاقتها بالأخر. التجربة تلك تبين أن المجتمع يرفض نظامه الأخلاقي فرضا مما يجعلنا نتساءل عن قيمة الإرادة الصانعة للفعل الأخلاقي في ظل مجتمع يفتقر إلى الحرية. في خضم هذا التضارب يرى دوركهايم أنه ليس هناك "فعل أخلاقي خالص تم القيام به على أنه واجب، بل يكون من الضروري دوما أن يظهر هذا الفعل على أنه جيد ومستحسن بشكل ما. وعلى العكس من ذلك يبدو أنه لا توجد موضوعات مرغوب فيها بشكل خالص، لأنها تتطلب دوما قدرا من المجهود الشخصي"[7].



vموقف هيجل.



على الضفة الأخرى، يرى هيجل أن الأطروحة الكانطية مجرد نزعة صورية[8] تفتقر إلى التجلي والتجسد في الواقع. الواجب مع هيجل ذو طابع مؤسساتي وغايته هي إقامة الدولة القوية التي يبتدئ بناؤها من الفرد الذي ينصهر في الكل، بلغة صاحب الفينومنولوجيا " يجب على الفرد الذي يؤدي واجبه أن يحقق مصلحته الشخصية أو إشباعه وأن يتحول الشأن العام إلى شأن خاص بفعل وضعيته داخل الدولة[9]. يعنى هذا الكلام أن المصلحة الخاصة تنصهر ضمن المصلحة العامة بحيث يضمن الفرد حمايتها. "فالفرد ـ يقول هيجل ـ الخاضع للواجبات سيجد في تحقيقها حمايته لشخصه ولملكيته باعتباره مواطنا، وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته الجوهرية، واعتزازا بكونه عضوا في هذا الكل"[10]. وبذلك يغدو الواجب مرتبطا بالدولة لا بالذات في وجودها الخالص. لكن سؤلا سؤالا بطرح نفسه في هذا السياق: أليس ثمة واجبات تخرج عن هذا التصنيف؟



vموقف هيوم.



من هذا المنطلق، كان هيوم يميز بين هذا الواجب الناتج عن ميل طبيعي نحو الخير ( حب الأطفال) بمعزل عن أي شعور بالإلزام أو أي اعتبار لمنفعة عامة أو خاصة[11] ،وبين ذاك الذي يصدر عن إحساس بالإلزام لا غير، لأنه يمثل ضرورات المجتمع البشري التي تمثل كابحا للغرائز والميول الذاتية الجامحة (حب التملك). بهذا المعنى يصبح الإلزام والإكراه ضرورة لحفظ البقاء واستمرار الحياة الاجتماعية وإلا عمت الفوضى.



vموقف غويو ونيتشه.



على النقيض من ذلك يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام و لا عنة خوف من أي جزاء أو عقاب. إنما يكون هو فعلا تأسيسا لمسار الحياة الذي لا ينتهي، و لغايات حددتها الطبيعة الإنسانية بوصفها فاعلية مطلقة نحو الحياة. لكن الواجب الأخلاقي من وجهة النظر الطبيعية هاته التي ليس فيها شيء غيبي، يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل[12] ، فمصدره هو الشعور الفياض "بأننا عشنا و أننا أدينا مهمتنا ... و سوف تستمر الحياة بعدنا، من دوننا، و لكن لعل لنا بعض الفضل في هذا الاستمرار". و المنحى نفسه يتخذه نيتشه حين يؤسس الأخلاق على مبدإ الحياة بوصفها إندفاع خلاق محض. إذ الفعل الأخلاقي عند نيتشه ما يخدم الحياة ما يزيد من قوتها و ليس ما يضعف الحياة و يزيد من محدوديتها. هكذا هو الخير و الشر عند نيتشه.







¨ المحور الثاني: الوعي الأخلاقي



تمهيد:



تتمفصل كل النصوص التي سنأتي على تحليل مواقف أصحابها في إشكالية أساس لنا ان نصوغها كالآتي: ماهي العلاقة الممكن إيجادها بين كل من الواجب والوعي الأخلاقي؟ فمنهم النازع إلى التأكيد على ان الترابط والتلازم ميسم العلاقة بين الواجب والوعي الأخلاقي فلا ينفك الواحد منهم يتأسس على الآخر التأسيس، وذلك موقف الفيلسوف إريك فايل، ومنهم الذي حذا بموقفه حذو الرافض المنتقد لاطرواحات الفلاسفة السابقين عليه والمؤكدين على تاثير المحيط الخارجي في أخلاق الواحد منا، ليثبت هو أحقية القاعدة كمبدأ مؤسس للأخلاق هو ذا موقف الفيلسوف فرونسو برنطانو،وهذا مفكر إسلامي آخر يرى في العقل المرشد والمدل في كل فعل أخلاقي، فلا مناصة للإنسان حتى يتسنى له العيش ضمن جماعة يطبعها التماسك والوحدة غير الإقتداء بالعقل، من هنا يكون الاكتساب خاصية الخلق[13].تتعدد المواقف وتختلف فمن خارج الفلسفة يدلو أحد المحللين النفسيين بدلوه في مجال ظل منذ زمن غير يسير حكر التفكير الفلسفي، ليثبت هو على أن النفس الإنسانية في ثلاثيتها(الأنا le moi،الأنا الأعلى le sur-moi،الهو le ça تتضمن كل محدد أخلاقي وهو الدور المنوط بالأنا الأعلى، بخلاف هذه المواقف يقدم لنا هاينز كينتشتاينر تصورا آخر يجد قاعدته المركزية ولبنته الأساس في الوعي التاريخي، إذ يقدم لنا هو المنحى التاريخي الذي قطعته الأخلاق، ويمكن تقسيمه إلى شقين كبيرين، الأول هو قبل نشوء الفرد الحر المستقل وفيها كان الوعي الأخلاقي مرتبط أشد الإرتباط بالأطر الخارجية، أما الشق الثاني فهو المتعلق ببزوغ الفرد المستقل والحر[14].إذا كان ذلك كذلك فمع روسو سيتم إرجاع الوعي الاخلاقي إلى ما هو فطري، إذ الفرد ينزع بطريقة هي أقرب إلى الغريزة منها إلى شيء آخر نحو الخير ويتجه.



ربما، وعلى الضد من كل هذه المواقف التي يقدمها لنا الفكر الفلسفي يرسم لنا الموقف النتشوي معالم الوعي الأخلاقي في أصله الأول، حيث للوعي الأخلاقي صلة ربط مع العنف الممارس على المدين.[15]



vموقف إريك فايل.



ينحو صاحب النص إلى التقريرمفاده ان الأخلاق بما هي مجال يضم بين ثناياها مفهوم الواجب le devoir فهي تلازم العقل تلازما جدليا فلا فرقة بينهم ولا خصام.فكل أمر نابع من العقل هو بالضرورة أخلاقي إذ أن كل انحياز إلى العقل­يقول فايل­ينتج عنه التأسيس الحقيقي والحق للمبدأالأخلاقي.



وتاكيد فايل لأطروحته ­تلازم العقل والأخلاق­جاء انطلاقا من عرضه لمجموعة منطلقات وإواليات:



٭تعارض العقل والنزوة.



٭لابد لما هو خاص ان ينفتح على أفق ما هو كوني وشمولي.



٭الذات بما هي ذات إنسانية وجب عليها الإنضواء تحت لواء ما هو كوني.



٭نفي صفة الموضوع على الإنسان أو قابلية توسيله.



٭الإقرار بعاقلية الكائن الإنساني.



٭حرية التصرف الأخلاقي.



٭ملازمة الحرية للعقل.



من خلال هذه المنطلقات التي عضها علينا فايل يخلص إلى نتيجة وهي أن الإنسان في تغليبه لميسم العقل من جهة اولى، وفي انفلاته من بوثقةة ما هو خاص من جهة ثانية، وفي كونه كائن حر ذو اختيار من جهة ثالثة، متى انحاز إلى العقل فإن المبدأ الاخلاقي يكون قد تم تأسيسه بالفعل.







vموقف فرنتس برونتانو.



قبل تطرق الفيلسوف إلى أطروحته عمل بادئ ذي بدء على عرض موقف الفلاسفة السابقين وذلك بغية دحضها، أما الموقف فجاء على الشكل الآتي: أن الوعي الأخلاقي حسب الفلاسفة القدماء يصدر عن تلك العلاقة الموجودة بين الفعل الأخلاقي والمحيط الذي يزود الفرد بمجموع الاوامر والواجبات، متوجهين إليه بالقول: "يجب عليك"، والتي يستبطنها بدوره ويتمثلها بطريقة يضفي عليها نوعا من الشرعية.



تجاوز فرنتس برونتانو لموقف الفلاسفة السابقين هو تجاوز الرأي القائل بأن الأخلاق تجد قاعدتها الأساس في الإلزامات الصادرة عن إرادة خارجية ليعةضها بمقولة القاعدة، ضاربا لذلك مثال العلاقة المنطقية الموجودة بين المقدمات والنتائج .، إذ هي علاقة تفرضها القاعدة.



vموقف ابن امسكويه.



يبدأ صاحب النص بتقديم تعريف للخلق[16] إذ شق منه مرده إلى ما هو طبيعي لنفس غير الناطقة فيه الكلمة الفصل، أما الشق الآخر فهو المستفاد من العادة والتدلريب والعقل بالنسبة إليه القائد والمسير، إنه الدليل والمرشد. من هذا المنطلق هناك من الناس من ينحاز إلى الرأي القائل بطبيعية الأخلاق ، ومنهم من يرى عكس ذلك؛ أي أن الأخلاق تكتسب وتلقن أنطلاقا من العادة.أما فيما يتعلق بموقف ابن مسكويه فإنه يسير في نفس مسار الموقف الثاني لحجيته، إذ لامجال للإنسان إلا الإقتداء بالعقل "النفس الناطقة" المؤسس لكل فعل أخلاقي، حتى يتسنى له العيش ضمن منظومة يكتسيها طابع العقل والعقلانية، إذ في الحالة المعاكسة التي نترك فيها الفرد يعيش بمقتضى هواه لن يتحصل منه غير الطباع الذميمة واللاإنسانية.







vموقف سيغموند فرويد.



محاولة فرويد في هذا النص تكمن في الإجابة عن الإشكال الآتي: ما العلاقة الممكنة بين الضمير الأخلاقي والسلطة الخارجية من عادات وأعراف وتقاليد وسلطة الأب؟



إجابة فرويد عن الإشكال لن يخرج عن الخطاطة العامة التي يرسمها للجهاز النفسي عامةة حيث يقسم الأخير إلى ثلاث هيئات: الأنا، والأنا الأعلى،والهو؛ يمثل الأنا الأعلى مجمل العادات والتقاليد والسلطالخارجية التي يستبطنها الفرد إذ تصبح هي العامل الأول والأخير في الحكم على الأشياء، أما الأنا فدوره كامن في إيجاد نقطة الإتزان بين الأنا الأعلى والهو، حيث أن الأخير يحمل بين طياته كل ما يتمثله الفرد من غرائز والأخص بالذكر هنا غريزة الجنس.من هذا المنطلق يكون الحديث عن الضمير الأخلاقي متوقف عن الانا الأعلى كسلطة خارجية بها نقيم الأشياء.



إذن الأخلاق بالنسبة التحليل النفسي لم تعد معلقة في سماء الحرية التي يدعي الفرد امتلاكها بقدر ما أن الأخلاق أصبحت جزء من كل(العالم الخارجي).



v موقف هاينز كينتشتاينر.



ينطلق صاحب النص في إطارا معالجته لمشكلة الضمير الأخلاقي من مقدمة مفادها أن هذا الأخير هو ذا منحى تاريخي تطوري فلا ينفك يتقدم ويتطور من حالة إلى حالة أخرى وهو مرتبط بالمحددات السوسيو اجتماعية ولاانفصال له عنها. يقول كينتشتاينر "للوعي الأخلاقي تاريخ"، بأي معنى هو كذلك؟ وأي تاريخ هو؟



يؤرخ كينتشتاينر للوعي التاريخي من موقع أوروبا جغرافيا، من زاوية الإصلاح الديني للقرن الثامن عشر و التاسع عشر عقائديا، ومن منظور كانط معرفيا وفلسفيا.إن الوعي التاريخي ارتبط في نشئته الأولى بما هو خارجي لا يكون للفرد فيه أي مجال أو فسحة للحرية بل يتقيد بها التقيد، أما المرحلة الثانية فهي التي سيعمل فيها الفرد على القطع مع كل السلط الخارجية قطعا ليصبح مسؤولا عن أفعاله.من هذا المنطلق يظهر لنا أن الوعي الاخلاقي هو جزء من بنية وعي تاريخي منفتح ومتطور.



vموقف جان جاك روسو.



عمل روسو في هذا النص على التأكيد بفطرية الضمير الأخلاقي، فالإنسان سواء في تقييمه للأشياء والحكم على الآخرين من جهة أولى والحكم عاى الآخرين من جهة ثانية يكون فيه منطلق أحكامه نابع من مجمل الأحاسيس الفطرية التي يمتاز بها الفرد أما الأحاسيس فيسردها لنا روسو كالآتي : حب الذات والخوف من الألم والموت والرغبة في العيش السعيد. غير أن ها لايعني بأن الفرد الإنساني يظل حبيس ذاته وما تنتجه من أحاسيس داخله، فمروض عليه هو العيش ضمن جماعات معينة تكفل له باقي حاجياته التي يعجز عن تحقيقها بمفرده، وعيشه هذا معع الغير ينشأعنه النسق المتكامل للأخلاق والذي ينهل منه الوعي الإنساني.على أن لانفهم من ذلك أن الوعي ذو مصدر خارجي تمثله عادات المجتمع وأعرافه، وإنما هو غريزة كامنة داخل الإنسان.







¨ المحور الثالث: الواجب و المجتمع



تمهيد:



إن العلاقة التي يمكن افتراض تحديدها بين النظام الأخلاقي و المجتمع من جهة أولى، و الوعي الفردي من جهة ثانية، كممارسة تتحدد وفق نمط معين من التوجيهات، بما هي أفعال تنطرح في قالب من النهج العملي، لهي بحقﱟ علاقة تتسم بالتفاوت و التباين و الاختلاف، و ليس يستغرب من أحد إن وجد الأنظار عند الذين تحدثوا في الواجب الأخلاقي من جهة تأسيسه و تنميته، إذ نزع بعضهم إلى أنه مؤسس على عقيدة المجتمع الذي يبث عبر مؤسساته أنماطا معينة من السلوكات الأخلاقية بما فيها الواجب، فإن تفسيرات أخرى تطمئن إلى القول بضرورة الانعتاق من السلطة الأخلاقية للمجتمع، و تجاوزها و بناء الوعي الأخلاقي على الإرادة الفردية. بيد أن الواجب الأخلاقي فردي محض. و من ثمة جاز لنا أن نطرح التساؤلات التالية:



· كيف يتدخل المجتمع في بناء الوعي بالواجب الأخلاقي؟



· ما هي مختلف تمثلات الواجب الأخلاقي؟



· هل الواجب الأخلاقي يتأسس على معطى فردي؟



· هل يجب أن يخضع الإنسان لكل ما تمليه عليه الجماعة (المجتمع)؟



· و في إشكالية جامعة مانعة نتساءل:



· هل الواجب الأخلاقي يحكمه ضمير الفرد أم ضمير المجتمع؟



vموقف دوركايم.



لعل الباحث في مجال السوسيولوجيا و الداراسات التي تعنى بكشف البنى المتحكمة في المتجتمع لسيجد بأن دوركايم واحد من اولئك الذين اغنوا مجال علم الاجتماع بمباحث غزيرة. و من أهمها على الإطلاق دراسته للتربية الأخلاقية و الكيفية التي يعمل بها المجتمع في بناء الوعي الأخلاقي بين الأفراد، فأسس لما يسمى بمفهوم التنشئة الاجتماعية[17].



إن المجتمع يشكل سلطة معنوية تتحكم في وجدان الأفراد، و يكون نظرتهم لمختلف أنماط السلوك داخله، و من ثمة فالمجتمع يمارس نوعا من القهر و الجبر على الأفراد إذ هو الذي يرسم لهم معالم الامتثال للواجب الأخلاقي و النظم الأخلاقية عموما، و لما كانت الحال كذلك لأن الأفراد يُسلب منهم الوعي بالفعل الأخلاقي، لأنه لم يكن نابعا من إرادة حرة و واعية و انما عن ضمير و وعي جمعيين هما المتحكمان في سلوكيات الأفراد. و بالتالي فالمجتمع سلطة إلزامية "و التي يجب أن نخضع لها لأنها تحكمنا و تربطنا بغايات تتجاوزنا"[18].



و من ثمة فالمجتمع يتعالى على الإرادات الفردية، و يفرض السلوكيات التي يجب أن يكون بما فيها السلوكيات الأخلاقية لأن المجتمع "قوة أخلاقية كبيرة"[19]. فيحقق الأفراد غاية المجتمع لا غاية ذواتهم و الانصات لصوته الآمر لأن "تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة و ضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع و لايعبر إلا عنه"[20].



vموقف هنري برغسون.



رغم تعدد الإرادات التي نلحظها عيانيا داخل المجتمعات، و بحسب الوظائف التي تشغلها، و رغم ما قد يلاحظ أن الأفراد يجسدون و يعبرون عن قناعات راسخة فيهم، فإنهم يعبرون عنها في شكل قهري و سلطوي يتعالى على الارادات الحرة، أي أنها تعبر عن سلطة خارجة عنهم " لأننا كنا نشعر بوجود ضغط عظيم يكمن وراء بتصرفاتهم و بواسطتها، و سنعرف فيما بعد أن الأمر يتعلق بالمجتمع"[21].



و بالتالي فإن تلك السلطة التي عبرها نتجرك أخلاقيا تسير وفق نوع من الانضباط -خدمة للصالح العام- الذي يقضي التضحية في سبيل الوطن " كما أن المجتمع هو الذي يرسم للفرد مناهج حياته اليومية"[22].



و إن كان برغسون لا ينكر ما للمجتمع من قدرة تعسفية ماورائية تمارس على الأفراد فيما يخص تصرفاتهم الأخلاقية، فإنه يدعو بالمقابل إلى ضرورة الانعتاق من هذه السلطة الأخلاقية المتعالية، و طلب ما سماه بالواجب الأخلاقي الكوني الذي يتعدى و يتجاوز الأخلاق المنغلقة التي يكرسها المجتمع، لأن هذا الأخير يرسخ أخلاقا تتماشى و الأفراد المكونين للمجتمع الواحد، و الأخلاق الكونية تنفتح على الشمولي و على الإنسان ككل بصرف النظر عن انتمائه المجتمعي لأن لدينا " واجبات نحو الإنسان من حيث هو إنسان"[23].



vموقف فريدريك انجلز.



يقدم انجلز المفكر الماركسي الاشتراكي طرحا مهما حول مسألة الواجب الأخلاقي، إذ يعتبر أن النظريات الأخلاقية ليست قانونا يتعالى عن التاريخ و عن المجريات الاجتماعية، بل بناؤها و العمل بها رهين بالمتغيرات التي تطال المجتمعات الانسانية داخل مختبر التاريخ، هذه التغيرات التي تسير و الايقاع الاقتصادي و الصراع الطبقي، و يطالها التغير و الفساد و تختلف " فإن كانت السرقة في لحظة تاريخية معينة رذيلة يمجها المجتمع ففي مجتمع ليس فيه، أية أسباب تدعو للسرقة ...كم سيعرض الواعظ الأخلاقي للسخرية عندما يدعو علنا إلى الحقيقة الخالدة: ينبغي عليك ألا تسرق!"[24].



إذن، فكل لحظة تاريخية تنتج عن متطلبات المجنمع فيها، و دعواتها الأخلاقية تعبر عن مصالح طبقة بعينها ضدا على طبقة أخرى، إنها مسألة الصراع كما يتحدث عنها ماركس بجلاء، باعتبار أن الصراع الطبقي هو المحرك الوحدي للتاريخ من الامتلاك و الاستغلال، ‘نه استغلال طبقة أقوى لطبقة أخرى أضعف.و لا مناص من القول "الأخلاق بدورها تخضع بدون شك لفكرة التقدم"[25].



v موقف ماكس فيبر.



ينصرف عالم الاجتماع ماكس فيبر في حديثه عن الواجب الأخلاقي و الأخلاق عموما إلى القول بأن الأخلاق في مجملها تنقسم الى نمطين اثنين: نمط أول موسوم بأخلاق الاقتناع ذات المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيها الفرد غير متحمل لأية مسؤولية، و إنما هي مركونة إلى المؤثرات و العوامل الخارجية التي لا يتدخل فيها الفرد، و إنما نتطرح فيه بتأثير الأبعاد الدينية، بما هي صوت متعال يصدر أوامره، حيث إن " أخلاقية الاقتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل، بل إلى العالم المحيط و إلى حماقة البشر و إلى مشيئة الله الذي خلق الناس على بهذه الصورة"[26].



و نمط ثان من الأخلاق هو ما كناه بأخلاق المسؤولية، التي تصدر من الذات الفردية و تتأسس على الوعي الفردي الحر، إذ "نحن مسؤولون عن النتائج التي تمكن توقعها لأفعالنا"، و لا ترجع المسؤولية إلى بعد خارجي قسري، لا علاقة لهذه الأخلاق بالقدر أو بالحظ، من ثمة "سيقول الفرد: إن هذه النتائج ترجع إلى مسؤولية فعلي الخاص"[27].



vموقف جون راولز.



إن جون راولز صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر، ينصرف في حديثه عن الواجب الأخلاقي إلى الحديث عن الواجب باعتباره نمطا من التضامن ال\ي يبنه و يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، حتى يتسطيع الجيل ألول أن يوفر كل إمكانيات العيش الرغيد و المريح، إن " الأجيال السابقة تتحمل على كاهلها أعباء كثيرة تصب في صالح الأجيال اللاحقة"[28]. و بالتالي فكل جيل يتحمل على عاتقه ضرورة تأمين المستقبل الذي لا يجعل الجيل اللاحق في حالة من الضياع و التشتت.



و كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال، لكن يظهر بلملح بارز في المجال الإقتصادي، إذ الاقتصاد هو المحرك الوحيد للتاريخ، و عدم القدرة على امتلاكه لا يجعل الحياة رغيدة و مريحة، و هذا التضامن هو خدمة للمجتمع عموما و تقسيم الثروات بشكل عادل، و من أجل أن "يكون المجتمع قد أدى واجبه في العدالة"[29].



خاتمة



انطلاقا مما سبق التطرق إليه من مواقف نجد أن الواجب الأخلاقي مفهوم يترواح بين عدة أنظار و مواقف متابينة لا تتعارض و أكثر مما تكون صورة بانورامية حوله، فمنهم من جعل رحج أن الواجب إرادة حرة و مطلقة في مقابل رأي معاكس اديرى التقيض، و طرح آخر يجعل من الواجب الأخلاقي رهين سلطة من السلط قد تكون نفسية أو دينية أو غير ذلك، و نظر آخر يجعل من الواجب الأخلاقي لحظة من لحظات القهر الذي يمارسه المجتمع على الأفراد، أو فضاء يستشرف الواجب الكوني المنفتح كما برغسون.



مع تحيات موقع تفلسف tafalsouf.t35.com





[1] مثل كتابي: نقد العقل العملي وأسس ميتافيزيقا الأخلاق، ومقال "عن الحق المزعوم في الكذب بدافع إنساني".



[2] منار الفلسفة, نص كانط "الواجب إكراه حر"، ص 185



[3] المرجع نفسه



[4] مباهج الفلسفة، نص كانط " الواجب كأمر أخلاقي قطعي وخالص"، ص 175



[5] مباهج الفلسفة، نص إ. دوركهايم، " الواجب ليس فقط إلزاما بل هو محط رغبة أيضا"، ص 177



[6] المرجع نفسه



[7] المرجع نفسه



[8] مباهج الفلسفة، إضاءة، (نص) هيجل، ص 178.



[9] منار الفلسفة، نص هيجل، ص 186.



[10] المرجع نفسه.



[11] منار الفلسفة، نص هيوم ، ص185.



[12] في رحاب الفلسفة، نص غويو "الواجب و القدرة"، ص 186.



[13]كتاب منارالفلسفة،.



[14]كتاب مباهج الفلسفة،.



[15]كتاب رحاب الفلسفة،



[16]الخلق مرادف للأخق في اللغة العربية



[17] يقصد كايم بالتنشئة الاجتماعية هي تربية الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة على ما كانوا عليه.



[18] منار الفلسفة، ص: 192



[19] منار الفلسفة، ص: 192.



[20] في رحاب الفلسفة، ص: 189.



[21] منار الفلسفة، ص: 193.



[22] في رحاب الفلسفة، ص: 190.



[23] في رحاب الفلسفة، ص: 190.



[24] منار الفلسفة، ص: 194.



[25] منار الفلسفة، ص: 194.



[26] مباهج الفلسفة، ص: 183.



[27] مباهج الفلسفة، ص: 183.



[28] مباهج الفلسفة، ص: 185.



[29] مباهج الفلسفة، ص: 185.



رسالة إلى أمي 😭 في 3يوم العيدعيدي يوم التحق بك يا امي 😪🤲 رحم الله أمي و ...

رسالة إلى أمي 😭 في 3يوم العيد عيدي يوم التحق بك يا امي 😪🤲 رحم الله أمي و أبي وسائر اموات المس لمين 🤲 #اللهم_صل_وسلم_على_نبينا_محمد   #ال...