lunedì 7 marzo 2011

دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : التاريخ

محاور الدرس




1) المعرفة التاريخية.



2) التاريخ و فكرة التقدم.



3) دور الإنسان في التاريخ.
تقديم:




ما التاريخ؟ لقد حدده ابن خلدون بأنه جزء من الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض بطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش و التأنس و العصبيات و أصناف التقلبات للبشر بعضهم على إلى بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكتب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال. (مقدمة ابن خلدون)



وانطلاقا من هذا التحديد يتضح، أن التاريخ يشكل ذاكرة الإنسانية التي تختزل أفكارها و انجازاتها ونشاطاتها، ويهتم أيضا بدراسة ماضيها من خلال مجتمع ما أو حضارة ما، حيث يعمل على تسليط الضوء على ذلك الجانب المظلم في حياة الكائن البشري ألا وهو الماضي.



ولعل هذا ما دفع بالمهتمين بالتاريخ إلى إعطاء أهمية قصوى للماضي باعتباره شرطا أساسيا لفهم الحاضر و أرضية انطلاقا أيضا من أجل تصور المستقبل، ليتضح من خلال ذلك أن مفهوم التاريخ غالبا ما يتم ربطه بمفهوم الزمن حيث لا يمكن تصور التاريخ إلا في العلاقة بالأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر ثم المستقبل.



كما أن مفهوم التاريخ يختلف عن مجموعة من المفاهيم القريبة منه مثل التأريخ وفلسفة التاريخ، فإذا كان التاريخ هو علم بحقيقة الأحداث الماضية فإن التأريخ هو عملية يقوم بها المؤرخ من أجل تسجيل و رصد الأحداث التي يعيشها.



وكما أن التاريخ يختلف عن التأريخ، فإن هذين الأخيرين يختلفان عن فلسفة التاريخ. فرق لتحديده بدقة يجب الوقوف على مهمة كل من المؤرخ والفيلسوف بالرغم من انخراطهما في سؤال الغاية من كتابة التاريخ، نجد الفيلسوف سيعود على البحث عن هدف أو غاية التاريخ من خلال تحديد العوامل الأساسية المؤثرة في سير الوقائع التاريخية. باعتباره (التاريخ) شكل ماهية الإنسان وهو الذي يميزه عن الكائنات الأخرى الإنسان كائن تاريخي).



بينما نجد المؤرخ يتعامل مع التاريخ باعتباره تحقيق وسرد لما جرى فعلا في الماضي. (النص عبد الله العروي مقرر الرحاب ص46)



وعلى ضوء ذلك اعتبر عبد الله العروي الفيلسوف هو عاشق الحقيقة الدائمة. بينما المؤرخ هوراوي الحدث العابر فهما يتعارضان و يتكاملان باستمرار .لكن أين يتجلى الاختلاف بين المؤرخ و الفيلسوف في التعاطي مع المعرفة التاريخية؟وكيف تبنى تلك المعرفة ؟ وهل التاريخ ثابت و مستقر أم تحكه دينامية التقدم؟ و هل للإنسان دور في التاريخ؟هل يمكن أن نعتبره صانعا للتاريخ؟







1- المعرفة التاريخية



إن التطرق لموضوع المعرفة التاريخية يثير إشكالا منهجيا يتعلق بالماضي الذي انقضى وولى و التعامل معه في الوقت ذاته كموضوع للمعرفة، و من ثمة فكيف يمكن الحكم على المعرفة التاريخية؟.



يؤكد ريمون أرون على أن المعرفة التاريخية هي معرفة نسبية. لأنها لا يمكن أن تدرك الماضي بصفة نهائية مادام أنه لاوجود لماض خالص، فكل ماضي هو ماض مستحضر ومعرفته لا تتأتى إلا عبر البحث و التنقيب و التحقيق. كما أن المعرفة التلقائية التي نعرفها بطريقة مباشرة هي سمة أساسية لواقعنا الذي نعيش فيه، بحكم أننا نفهم جميع دلالاته. في حين أن المجتمعات التي عاشت قبلنا لا يتسنى لنا أن نعرف دلالاتها دون توسط منهج المؤرخ و بدلك تنعدم شروط المعرفة التلقائية بها . بالإضافة إلى كون تجربتنا في الماضي لايمكن أن تكون هي تجربتنا في الحاضر. وانطلاقا من دلك فالمعرفة هي إعادة بناء لما كان موجودا ولم يعد وهي عملية تخص زمانا و مكانا محددين. (نص رقم 2 ص48 من مقرر الرحاب)



أما بالنسبة لبول ريكور فالاعتماد على الآثار والوثائق الخاضعة للمساءلة والاستنطاق من طرف المؤرخ تعتبر موقفا موضوعيا وعملا منهجيا يجعل من الأثر التاريخي وثيقة دالة, يصبح من خلالها المؤرخ ممتلكا للقدرة على بناء الوقائع التاريخية بالاعتماد على الوثائق والملاحظة المنهجية. ومن هنا فالواقعة التاريخية لا تختلف عن الواقعة العلمية وهنا تكمن الموضوعية كنتيجة للممارسة المنهجية (نص رقم 1 ص 47 من مقرر الرحاب ).



و انطلاقا مما سبق هل يمكن الاعتماد على المعرفة التاريخية كشرط لفهم الحاضر وتصور المستقبل ؟



ينطلق ماكس فيبر (1864 – 1920) من نقطة أساسية تعتبر كمدخل من أجل التعاطي مع المعرفة التاريخية كمؤشر لتصور مستقبل الإنسانية. فالواقع الإمبريقي ( التجريبي ) يتميز باللامحدودية بحكم كثافته ولا نهائيته, فلذلك لا يمكن لأية عدة منهجية أن تشمل ذلك الواقع في كليته.



إن المؤرخ لا يمكن أن يتأتى له معرفة الماضي بصفة نهائية, ذلك أن الأسباب التي يعتمدها لتفسير الواقعة التاريخية ستبقى منتقاة انطلاقا من علاقة المؤرخ بالقيم. كما أن السببية التاريخية بالنسبة لماكس فيبر هي سببية تحليلية, متفردة وجزئية احتمالية, ويبقى العمل المنهجي للمؤرخ محددا لهذه المعرفة



.



2- التاريخ وفكرة التقدم:



هل منطق التاريخ يحكمه التقدم أم التكرار؟ هل هو تقدم محكوم بحتمية معينة أم أنه يسير بشكل تلقائي؟ لقد قال هيغل : " إن كل ما هو عقلي فهو واقعي وكل ما هو واقعي فهو عقلي ". فالواقع في كليته معقول, لأنه ليس شيئا آخر سوى العقل متجسدا أو حالا في روح هذا الشعب أو ذلك من الشعوب التي عرفها التاريخ. فحركة التاريخ هي حركة متصاعدة ومتقدمة نحو الوعي المطلق الذي يتحقق دون وعي البشر وذلك حسب إيقاع ديالكتيكي يقع على مستوى الأفكار انطلاقا من الأطروحة (الوجود المطلق) إلى نقيضها (اللاوجود أو العدم) وصولا إلى التركيب ( الصيرورة ). وهذه هي النقطة التي سوف ينطلق منها كارل ماركس في انتقاده للصيرورة الهيجيلية المثالية والمجردة. وبذلك سيرفض ماركس ما اعتقده هيجل تفسير عقلاني للتاريخ. فأنزل دلك الجدل الذي اعتمده هيجل على مستوى الأفكار إلى أرض الواقع, ليصبح التاريخ هو تاريخ الإنسان العامل والمنتج وليس تاريخا يستعرض مراحل تطور الأفكار. ومن ثمة فالتفسير العقلاني العلمي والجدلي للتاريخ يجب أن يطلب في الواقع الاقتصادي أو ما يسميه ماركس بالبنية التحتية والتي تتألف من :



1/ قوى الإنتاج : مجموع الأدوات والوسائل التي ينتج بها الإنسان ما يحتاج إليه (العمال, الآلات, الأرض.....).



2/ علاقات الإنتاج : العلاقات التي تربط بين الناس أثناء عملية الإنتاج المادي.



3/ نمط الإنتاج : مجموع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج.



ويرى ماركس أن التغير الذي يطرأ على قوى الإنتاج يصطدم غالبا بعلاقات الإنتاج التي لا تستوعب في بداية الأمر التغير الذي حصل على مستوى قوى الإنتاج.



ومن هنا يولد التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والذي يتولد عليه بشكل جدلي " الصراع الطبقي " الذي يعتبره كارل ماركس بمثابة المحرك الأساسي للتاريخ.



وما يطرأ من تغيرات على مستوى البنية التحتية ينعكس على البنية الفوقية التي يدخل فيها كارل ماركس كل أشكال الوعي المختلفة, مثل الوعي الديني والأسطوري والفلسفي والفني والسياسي والقانوني...



ويميز ماركس بين التغير الذي يقع على مستوى البنية التحتية الذي يتم بسرعة بالمقارنة مع التغير الذي يقع على مستوى البنية الفوقية. حيث لا يمكن تحديده بالدقة التي يمكن تحديده بها على مستوى البنية التحتية. ويسمى هذا التغير الذي يربط بين التغير في الأفكار و الفلسفات من جهة, وفي السياسة من جهة أخرى, وبما يطرأ من تغيير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالتفسير المادي للتاريخ والدي يخالف التفسير المثالي كما كان لدى هيغل. ( نص ماركس رقم 3 ص 49 الرحاب)



إذن فالتاريخ البشري محكوم بتقدم هو في حقيقته تتال لأنماط إنتاج تفهم باعتبارها مراحل تقود إلى بعضها البعض عبر النفي انطلاقا من قوانين الجدل التي تحكم الطبيعة والمجتمع والإنسان.



لكن إذا كان التاريخ قد اتخذ شكلا تقدميا في البنية الغربية هل ينطبق ذلك على جميع البني الأخرى؟



يرى كلود ليفي شتراوس أنه إذا أردنا أن نفهم الظواهر الاجتماعية سواء الخاصة بالشعوب المسماة بالبدائية أوالمتحضرة، علينا أن نطرح المنهج التاريخي جانبا، الذي يقوم بدراسة ماضي الظواهر وانطلاقا منها يحاول تفسير الحاضر. وطرح كبديل عن ذلك انطلاقا من منهجه البنيوي ما يسمى بالدراسة الاستاتيكية السانكرونية وهي دراسة تهتم بدراسة بنية ثقافية معينة دون إيلاء اهتمام لماضيها أو وظيفتها.



وانطلاقا من ذلك يرى ليفي شتراوس أن هناك عنصرا مشتركا بين جميع البشر ألا وهو " اللاشعور البنيوي " باعتباره لا زماني ولا شخصي ولا سيكولوجي ولا اجتماعي بل هو عام وسابق عن مختلف العوامل الأخرى.



والتاريخ ماهو إلا تجل واستعراض للاشعور البنيوي في أشكال ومظاهر متنوعة، كما أنه خفي وغير معطى مباشرة في الأنظمة الاجتماعية والثقافية. وبذلك سوف يعتبر البنيويون النزعة التاريخية بمثابة عائق ابستمولوجي مادام أنه لكل بنية استقلالها الخاص عن بقية البنى. فلذلك لا يمكن لجميع البنى أن يحكمها نفس المسار التاريخي.



لذلك ذهب ميشال فوكو إلى القول بأن البنيوية سجلت نهاية التاريخ, واعتبر بياجي تصورها للثقافة قد انتهى إلى موقف أفلاطوني في تصوره للمثل والجواهر الثابتة الخالدة والمفصولة عن المحسوس والواقع الذي ما هو إلا شبح وظل لعالم المثل.







دور الإنسان في التاريخ :



إن التساؤل عن دور الإنسان في التاريخ هو استمرار للتساؤل حول منطق التاريخ. فهل يمكن اعتبار الإنسان بالفعل هو صانع التاريخ ؟



بالنسبة لهيغل كما تطرقنا لذلك سابقا فهو يعتبر أن التطور هو تطور الفكرة التي تنطلق من البسيط إلى المعقد, ومن المجرد إلى العيني عن طريق صيرورة تقودها حسب منطق التطور. هذه الفكرة تتحقق على يد أولئك الذين يدركون الروح المطلقة كمبدأ عقلي يتجسد في التاريخ، وتدرك حقيقته عبر الفن والدين و السياسة. وهؤلاء هم الذين يسميهم هيغل بعظماء التاريخ فدورهم في التاريخ هو تطبيق لفكرة وجدت قبل تواجدهم. ( نص هيغل رقم 5 ص 51 مقرر الرحاب )



وهذا ما جعل ماركس ينطلق حيث انتهى هيغل. فالإنسان بالنسبة لماركس هو صانع التاريخ عبر فلسفة البراكسيس ( الفلسفة العملية ) التي تتجلى من خلال الصراع الطبقي المحرك الجوهري للتاريخ



ذلك ما سوف يعترض عليه ميرلوبونتي الذي حافظ على مسافة نقدية مع الماركسية في تصورها للتاريخ حيث يصبح الإنسان منفذا لبرنامج محدد سلفا.



كما أن ربط ماركس للتغير الإيديولوجي بتغير يلحق البنية التحتية جعل ميرلوبونتي يفتح إمكانية حدوث نضج إيديولوجي فجأة دون تهيئ للشروط الموضوعية كما أن عرضية التاريخ يمكن أن تجعل جدليته تنحرف عن الأهداف التي اختارتها لنفسها، فلا تحل بذلك المشاكل التي تطرحها. ( نص 4 ميرلوبونتي ص 50 مقرر الرحاب ).



أما بالنسبة لجون بول سارتر فينطلق من الرسالة التي عرضها فريدريك انجلز (1820 – 1895 ) على ماركس والتي يقول فيها " إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولكن في وضع محدد يشرطهم ". متسائلا حول ما إذا كان التاريخ هو الذي يصنع الإنسان .إذن كيف يمكن أن نفهم أن الإنسان هو صانع التاريخ ؟



فالإنسان يكون في عهد الاستغلال نتاج منتوجه الخاص وفاعلا تاريخيا لا يمكن اعتباره منتوجا . هذا التناقض لا يعتبره سارتر تابتا بل ينبغي فهمه في سياق حركة البراكسيس أي الممارسة. وهذا هو ما سيضيء جملة انجلز حسب سارتر،التي يقول فيها إن الناس يصنعون تاريخهم وليست الشروط الموضوعية السابقة هي التي تصنع التاريخ.



ومن ثمة فإن سارتر يركز بشكل قوي على الإمكانية المعطاة سلفا للإنجاز ليتجاوز الإنسان وضعه لتحقيق مشروعه داخل حقل الممكنات الذي يعتبر هو مجموع الاحتمالات المتاحة أمام الإنسان بشكل موضوعي وذاتي يختار واحدة منها حسب وعيه وظروفه.



وبهذا المعنى يصبح الإنسان فاعلا تاريخيا وصانعا له بالمعنى الوجودي والتاريخي وليس بالمعنى الماركسي. ( نص 6 ص 52 مقرر الرحاب ).



مع تحيات موقع تفلسف tafalsouf.t35.com



***************



2- إعداد : مـبـارك كـــروم ، عزيز وارغــي، محمد الدياني



تقديم



كيف نفهم الصيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية ؟ وبأي معنى تكون المعرفة بالتاريخ ممكنة ؟ وهل الإنسان فاعل تاريخي وصانع له أم أنه خاضع له؟ وماهي الرهانات التى يطرحها التفكير في التاريخ على مستوى الوجود الإنساني والمعرفة والقيم ؟ وهل يجب الاكتفاء في معرفة التاريخ بما هو إنسانى فقط أم البحث عن الماضي العلمى والفكري ؟



هده جملة من التساؤلات جاء العديد من الفلاسفة لتسليط الضوء عليها باعتبار التاريج أو المعرفة التاريخية جزء لايتجزء من الصناعة البشرية للإنسان ذاته هذا الأخير الذى يحكمه المنطق التاريخي الثلاثي :الماضي الحاضر المستقبل لكن الاختلاف الحاصل هنا هو نقطة التجاذب التي يقع فيها المؤرخ الذي يريد أن يؤسس للفعل التاريخي وبداياته الأولى والفرق الموجود أيضا بين ما هو تاريخي ثراثي حضاري وبين ماهو تاريخي علمي صرف .



تعددت المواقف وأيضا الأفكار ووجهات النظر الفلسفية إلا انه يمكن القول وحسب ما جاء في الكتب المدرسية المقررة (المباهج المنار في الرحاب ) أن هذه المواقف تحاول أن تجعل المعرفة التاريخية منحصرة في ما سماه العروي بالتأريخ أو ما أشار إليه ابن خلدون بعلم العمران بالإضافة للعمليات التى تهتم بسرد الأحداث والوقائع التاريخية علاوة على ربط التاريخ بالسياسة حيث يصبح هنا التاريخ معرفة. فما هي حقيقة هذه المعرفة ولماذا تطلب ؟



إن المجال الإشكالي لمفهوم التاريخ يتحدد إنطلاقا من بعد أساسي وهو الوجود الإنساني حيث يضاف إلى كون الإنسان عبارة عن شخص وهوية وذو قيمة ويدخل في علاقات تفاعلية مع الغير يضاف التواجد والوجود التاريخى للإنسان في زمان ومكان معينين مما يجعل هذا الأخير رهين التاريخ وفي نفس الوقت صانعا له الشيء الذي يخلق معرفة تاريخية بوصفها معرفة زئبقية صعبة التحكم وسهلة التملص بين الأصابع رغم إحكام القبضة .



المعرفة التاريخية معرفة لزجة وسلسة لأن دور الإنسان في هذا التاريخ غير مفهوم بالشكل الجيد بالإضافة الى تراكم العديد من الرهانات التي تحاول البشرية تحقيقها مما يجعل سؤال الماضي اوالمعرفة بالتاريخ سؤال ملتبس وغامض.



يؤكد بول ريكور أن المعرفة التاريخية معرفة مبنية حسب منهج مفكر فيه من طرف المؤرخ.



فالمنهج العلمي له خصائصه ومميزاته كما أن للمنهج التاريخي توجهاته وأدواته التى تتمثل في الوثيقة التاريخية كأداة دالة على فعل معين يمكن تفسيره وتحليله بمنطق علمي إعتمادا على مبادئ علمية تؤدى لا محالة إلى نتائج موضوعية وبالتالي يؤكد ريكور على ضرورة الممارسة المنهجية العلمية للوصول إلى المعرفة التاريخية أما بالنسبة لريمون أرون فيقر وبشكل صارم كون المعرفة التاريخية بالماضي معرفة صعبة ومستعصية وتتطالب جهدا كبيرا وتوظيفا لعدة وسائل وعمليات تحليل وتفسير وفهم ونقد لأن أساس الحاضر هو الماضي هذا الحاضر الذي تسهل علينا معرفته لأن هذه المعرفة تلقائية وعفوية في حين يعتبر الماضي الغابر ماضيا مجهولا خاصة عندما نريد إعادة بنائه وذالك لكون الماضي مليء بمجموعة من الدلالات والرموز التي لا نستطيع فهمها كما نحن نفهم العالم الذي يحيط بنا بمختلف تجلياته ومكوناته.



من ناحية أخرى يشير التاريخ عند ابن خلدون الى سيرورة العمران الإجتماعي البشري حيث يعتبر المعرفة التاريخية نظرا عقليا في أحوال الذين عاشوا قبلنا وتحليل أفعالهم وحوادثهم عن طريق إستعمال معياري العقل والحكمة كما يؤكد ابن خلدون على ضرورة تجاوز التوقف عند سرد الأحداث والوقائع والأخبار والايام وكيف كان الأخرون يعيشونها بالإنتقال الى إتباع القواعد وسبر الأغوار ونقد ماهو متداول والتحقيق فيه باتباع المنهج العلمي حتى يستطيع الإنسان والعالم بصفة خاصة تجاوز المغالطات العديدة التي وقغ فيها المؤرخون والمفسرون وأئمة النقل .



ويأتي الفيلسوف هنري مارو ليعزز موقف ابن خلدون حيث يرى أن المعرفة التاريخية ليست عملا أدبيا أو وصفا أو إعادة كتابة إنما هي معرفة علمية ينشئها المؤرخ إعتمادا على منهج علمي دقيق وصارم يقول هنري في تعريفه للتاريخ:" التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي … وإن كنا نتحدث عن العلم بشأن التاريخ فإنما ذلك في تعارض مع المعرفة العامية التي تستند إلى التجربة اليومية فالمعرفة التاريخية هي معرفة مبنية تتشكل تبعا لمنهج منظم وصارم يمثل العامل الأنجع لبلوغ الحقيقة



المحور :I المعرفة التاريخية



تقديم



كيف نفهم الصيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية ؟ وبأي معنى تكون المعرفة بالتاريخ ممكنة ؟ وهل الإنسان فاعل تاريخي وصانع له أم أنه خاضع له؟ وماهي الرهانات التى يطرحها التفكير في التاريخ على مستوى الوجود الإنساني والمعرفة والقيم ؟ وهل يجب الاكتفاء في معرفة التاريخ بما هو إنسانى فقط أم البحث عن الماضي العلمى والفكري ؟



هده جملة من التساؤلات جاء العديد من الفلاسفة لتسليط الضوء عليها باعتبار التاريج أو المعرفة التاريخية جزء لايتجزء من الصناعة البشرية للإنسان ذاته هذا الأخير الذى يحكمه المنطق التاريخي الثلاثي :الماضي الحاضر المستقبل لكن الاختلاف الحاصل هنا هو نقطة التجاذب التي يقع فيها المؤرخ الذي يريد أن يؤسس للفعل التاريخي وبداياته الأولى والفرق الموجود أيضا بين ما هو تاريخي ثراثي حضاري وبين ماهو تاريخي علمي صرف .



تعددت المواقف وأيضا الأفكار ووجهات النظر الفلسفية إلا انه يمكن القول وحسب ما جاء في الكتب المدرسية المقررة (المباهج المنار في الرحاب ) أن هذه المواقف تحاول أن تجعل المعرفة التاريخية منحصرة في ما سماه العروي بالتأريخ أو ما أشار إليه ابن خلدون بعلم العمران بالإضافة للعمليات التى تهتم بسرد الأحداث والوقائع التاريخية علاوة على ربط التاريخ بالسياسة حيث يصبح هنا التاريخ معرفة. فما هي حقيقة هذه المعرفة ولماذا تطلب ؟



إن المجال الإشكالي لمفهوم التاريخ يتحدد إنطلاقا من بعد أساسي وهو الوجود الإنساني حيث يضاف إلى كون الإنسان عبارة عن شخص وهوية وذو قيمة ويدخل في علاقات تفاعلية مع الغير يضاف التواجد والوجود التاريخى للإنسان في زمان ومكان معينين مما يجعل هذا الأخير رهين التاريخ وفي نفس الوقت صانعا له الشيء الذي يخلق معرفة تاريخية بوصفها معرفة زئبقية صعبة التحكم وسهلة التملص بين الأصابع رغم إحكام القبضة .



المعرفة التاريخية معرفة لزجة وسلسة لأن دور الإنسان في هذا التاريخ غير مفهوم بالشكل الجيد بالإضافة الى تراكم العديد من الرهانات التي تحاول البشرية تحقيقها مما يجعل سؤال الماضي اوالمعرفة بالتاريخ سؤال ملتبس وغامض.



يؤكد بول ريكور أن المعرفة التاريخية معرفة مبنية حسب منهج مفكر فيه من طرف المؤرخ.



فالمنهج العلمي له خصائصه ومميزاته كما أن للمنهج التاريخي توجهاته وأدواته التى تتمثل في الوثيقة التاريخية كأداة دالة على فعل معين يمكن تفسيره وتحليله بمنطق علمي إعتمادا على مبادئ علمية تؤدى لا محالة إلى نتائج موضوعية وبالتالي يؤكد ريكور على ضرورة الممارسة المنهجية العلمية للوصول إلى المعرفة التاريخية أما بالنسبة لريمون أرون فيقر وبشكل صارم كون المعرفة التاريخية بالماضي معرفة صعبة ومستعصية وتتطالب جهدا كبيرا وتوظيفا لعدة وسائل وعمليات تحليل وتفسير وفهم ونقد لأن أساس الحاضر هو الماضي هذا الحاضر الذي تسهل علينا معرفته لأن هذه المعرفة تلقائية وعفوية في حين يعتبر الماضي الغابر ماضيا مجهولا خاصة عندما نريد إعادة بنائه وذالك لكون الماضي مليء بمجموعة من الدلالات والرموز التي لا نستطيع فهمها كما نحن نفهم العالم الذي يحيط بنا بمختلف تجلياته ومكوناته.



من ناحية أخرى يشير التاريخ عند ابن خلدون الى سيرورة العمران الإجتماعي البشري حيث يعتبر المعرفة التاريخية نظرا عقليا في أحوال الذين عاشوا قبلنا وتحليل أفعالهم وحوادثهم عن طريق إستعمال معياري العقل والحكمة كما يؤكد ابن خلدون على ضرورة تجاوز التوقف عند سرد الأحداث والوقائع والأخبار والايام وكيف كان الأخرون يعيشونها بالإنتقال الى إتباع القواعد وسبر الأغوار ونقد ماهو متداول والتحقيق فيه باتباع المنهج العلمي حتى يستطيع الإنسان والعالم بصفة خاصة تجاوز المغالطات العديدة التي وقغ فيها المؤرخون والمفسرون وأئمة النقل .



ويأتي الفيلسوف هنري مارو ليعزز موقف ابن خلدون حيث يرى أن المعرفة التاريخية ليست عملا أدبيا أو وصفا أو إعادة كتابة إنما هي معرفة علمية ينشئها المؤرخ إعتمادا على منهج علمي دقيق وصارم يقول هنري في تعريفه للتاريخ:" التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي … وإن كنا نتحدث عن العلم بشأن التاريخ فإنما ذلك في تعارض مع المعرفة العامية التي تستند إلى التجربة اليومية فالمعرفة التاريخية هي معرفة مبنية تتشكل تبعا لمنهج منظم وصارم يمثل العامل الأنجع لبلوغ الحقيقة".



المحور الثاني: "التاريخ وفكرة التقدم"



إن التاريخ باعتباره سلسلة من الأحداث الماضية يدفعنا إلى التساؤل عن مساره ومنطقه، فكيف يتم تطور التاريخ وتقدمه؟ وهل يخضع في تطوره لإرادة الإنسان أم أنه يسير بشكل عبثي تفعل فيه الصدفة فعلها؟



إذا كان "هيكل" يؤمن بفكرة التقدم ويعتبرها حقيقة الصيرورة، ذلك أن حركة التاريخ تتحقق من خلالها الفكرة وتبلغ كمالها "المطلق"، فإن كارل ماركس يرفض هذا التصور المثالي للتاريخ، حيث يرى أن التاريخ الإنساني يرتبط ارتباطا وثيقا بالتقدم، وأن تطور التاريخ يخضع لحتمية الصراع من أجل البقاء وبالتالي فإن ماركس اعتقد أن التاريخ هو صراع الطبقات بمعنى أن التاريخ عنده يتحقق عن طريق ثورة البروليتاريا وعن طريق قهر الإنسان للطبيعة وتحويلها، كما يعتقد أن التاريخ يتحقق ويصل الى منتهاه عندما تنمحي الطبقية عن الوجود وتسود العدالة الاجتماعية التي رسم ملامحها في المذهب الشيوعي وهو بذلك يؤكد على نظرية نهاية التاريخ وذلك بنهاية الفكر الرأسمالي. ورسم معالم حركة التاريخ على شكل مراحل: من مرحلة المشاعة البدائية والعبودية، الإقطاع، الرأسمالية، والاشتراكية. ونفس الأمر بالنسبة «لأجوست كونت» الذي نظّر الى حركة التاريخ من خلال فكرة مسبقة: سيادة الفكر الوضعي. فحقب «أ ـ كونت» حركة التاريخ انطلاقاً من هذه الفكرة القبلية. يمكن القول بان قانون الأحوال الثلاثة الذي صاغه «أ. كونت» يفرض على التاريخ مساراً محدداً لايخرج عنه



ويلاحظ أن إمكانات التطور في التاريخ عند ماركس تتخذ أشكالا عديدة:

- تطور ارتقائي، تدريجي Evolution

- تطور قطعي Rupture

- تطور خطي (تراكمي – صاعد باتجاه واحد). (Lineal)

- تطور دوري (ارتدادي ، ومتقدم في آن (Cyclical

هناك ظاهرات في التاريخ تتسم بالتدرج الارتقائي، وأخرى بتطور خطي، وثالثة بتطور دوري، ورابعة بتطور قطعي وهكذا دواليك ، فمثلا ماركس يرى أن الشيوعية ستتطور تدريجيا وستمحوا الراسمالية بشكل تدريجي وهذا هو التطور الارتقائي ، أما التطور القطعي فهو ما يحدث في التاريخ فجأة سواء بسبب الحروب أو الكوارث أو ما شاكل ذلك.....

وتأسيسا على ماسبق ندرك أن ماركس أسس نظريته التاريخية على أساس مادي حاول في هذا البناء الفلسفي للتاريخ ربط التطور التاريخي بالتطور الاقتصادي للمجتمع ونتج عن ذلك الربط تفسير التاريخ على أساس السيطرة على وسائل الإنتاج التي تمكن طبقة اجتماعية معينة من فرض أفكارها ونفوذها الاجتماعي وأن ذلك الصراع المستمر سيؤدي الى انتصار البروليتاريا وهذا ماعرف عند الماركسية بالمادية التاريخية .



ردا على التصور الماركسي للتاريخ والتقدم، يعترض ميرلوبونتي على كل تصور مطلق ومسبق للتاريخ، حيث يصبح هذا الأخير ذو اتجاه محدد سلفا. إن الإيمان بنمطية التاريخ ينزع كل فاعلية عن الإنسان ويؤدي إلى التسليم بهيمنة النموذج الغربي، وهي فرضية تكذبها الأنتروبولوجية، خاصة الأنتربولوجية البنوية، ذلك أن التقدم ليس سلسلة منتظمة من الحوادث لأنه يخضع للصدفة والمراوحة، وهذا ما نستخلصه من التقدم الذي حققته الإنسانية منذ بدايتها الأولى.



إن ما يميز التقدم البشري حسب كلود ليفي ستراوس كونه يتم عبر تحولات وقفزات فجائية، وهذا ما تؤكده المعارف ما قبل التاريخية والحفرية، حيث أثبتت وجود أنماط حضارية مختلفة في المكان الواحد، وفي هذا السياق شبه ستراوس مسار التقدم البشري بلاعب الشطرنج الذي يستطيع اللعب في عدة اتجاهات مختلفة، وهكذا فالتطور البشري ليس تراكميا تنضاف من خلاله مكتسبات كل مرحلة لأخرى، بقدر ما هو جدلي. وفي هذا الصدد قدم كلود ليفي ستراوس مثال لاعب النرد الذي يظل معرضا لخسارة ما ربحه في المراحل السابقة.



تجاوزا للبس والغموض اللذان يحيطان بمفهومي التقدم والتطور، حاول إدوارد هاليت كار أن يبين أن مفهوم التطور ذو حمولة بيولوجية حيث يرتبط أساسا بنظرية النشوء والارتقاء الداروينية، في حين يرتبط التقدم بالجانب الإجتماعي التاريخي، ويرجع هذا الخلط بين المفهومين إلى مفكري التنوير، حينما اعتبروا قوانين التاريخ مطابقة لقوانين الطبيعة، وأن هذه الأخيرة تسير بشكل تقدمي.



إن معالجة إشكالية التقدم حسب إدوارد هاليت كار لا تقتضي بالضرورة أن تطور التاريخ له بداية ونهاية، لأن ذلك ينسجم أكثر مع التفكير الديني، بل يجب النظر إلى التاريخ على أنه عملية تودع فيها مطالب وأحوال العصور المتعاقبة. فالتقدم التاريخي ليس مستمرا في الزمان والمكان، حيث يخضع لمجموعة من الانحرافات.



من جهته ميز هاربيرت ماركوز في فكرة التقدم التاريخي بين معنيين متقابلين، الأول كمي والثاني كيفي، وكلاهما يوضح اتجاه الإنسان نحو مراكمة تجاربه للسيطرة على الطبيعة، وتحقيق ماهيته، وهذا ما يميز المرحلة المعاصرة من تاريخ الحضارة الغربية.



يشير التقدم حسب هاربيرت ماركوز إلى أن تنامي المكتسبات والمعارف الإنسانية رغم العديد من فترات التراجع والنكوص، فإن الحضارة في تطورها تولد رغبات وحاجات جديدة لدى الناس، وفي ذات الوقت تمكنه من وسائل إشباع هذه الرغبات، وهذا هو المقصود بالتقدم التقني. وفي المقابل يمكن التقدم الكيفي من تحقيق ماهية الإنسان وتوسيع الحرية الإنسانية ونبذ مظاهر التعسف والعبودية. وهكذا يظل التقدم الإنساني رهين بالتطور التقني من جهة، والتطور الكمي من جهة أخرى، فإذا كان الأول يمكن من إشباع حاجات الإنسان فإن الثاني يساعده على تحقيق ماهيته.



المحور الثالث: "دور الإنسان في التاريخ"



من الأهمية بمكان- ونحن نقرأ عنوان هدا المحور- الحديث عن العلاقة التي تربط بين الإنسان والتاريخ وعن الفعالية التي من المفترض إن تكون للإنسان داخل الإطار التاريخي. فهل من الممكن ادن القول أن للإنسان دور في التاريخ؟ وبعبارة أخرى أليس للإنسان دور فاعل في صنع التاريخ والتحكم في سيرورته وإنتاج إحداثه؟ أم انه كائن يقف وقفة المتفرج ليكون التاريخ المؤثر فيه؟



ادا رجعنا إلى الكتب المدرسية المقررة سنجد إنها تحتوي على نصوص لفلاسفة اختلفت آراؤهم وتضاربت أفكارهم في الحديث عن دور الإنسان في التاريخ. فمن جهة نجد "هيجل" في نص "مكر التاريخ" يؤكد على أن الإنسان ليس سوى وسيلة في يد التاريخ. فمكر هدا الأخير يجعل الإنسان يعتقد انه صانع التاريخ، غير انه لا ينفد سوى إرادة التاريخ وفق مسار الروح المطلق. إن هده التصور الهيجيلي جاء بناءا على قولته الشهيرة "إن كل ما هو عقلي فهو واقعي وما هو واقعي فهو عقلي".



فالواقع التاريخي بجميع أحداثه وأفكاره معقول لأنه ليس شيئا آخر سوى العقل متجسدا وحالا في روح هدا الشعب أو داك من الشعوب التي عرفها التاريخ. فالحقيقة الأولى عند هيجل هي " العقل المطلق" أو "الروح المطلق"، وهي وجود خالص لا محدود ولما كان الوجود الخالص الذي لا يمكن أن تقول عنه شيئا هو " العدم" شئ واحد فان " العقل الكوني" حل في العالم وتموضع فيه ليعي ذاته، وهدا الوعي يتم في التاريخ "ما التاريخ إلا حياة الله "أي بالصورة حيث تكون الشعوب و الرجال العظام أدوات في يد العقل الكوني يحقق بها غايته و خطته في وعيه لذاته .



أما كارل ماركس فقد رفض ما اعتقد هيجل انه تفسير عقلاني للتاريخ فانزل الجدل من سماء الميتافيزيقا إلى ارض الواقع الإنسان الحي والعيني، وأبدل كلية هيجل –الخاصة بروح الكون- بكلية واقعية هي التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية مثل النظام الإقطاعي أو الرأسمالي واحل ماركس الإنسان الاجتماعي محل "روح العالم" فأصبح التاريخ تاريخ الإنسان العامل و المنتج وليس تاريخا صوفيا يستعرض مراحل تطور وعي "العقل الكوني" لذاته . ويهدا يكون ماركس قد جعل دور الإنسان في التاريخ مشروط بواقعية معطاة وظروف خارجة عن إرادته.



كما يؤكد ماركس أن التفسير العقلاني العلمي للتاريخ يجب أن يطلب من الواقع الاقتصادي و الاجتماعي أو ما يسميه ماركس بالبنية التحتية والتي تتألف من:



1- قوى الإنتاج: وهي مجموعة الأدوات أو الوسائل التي ينتج بها الإنسان ما يحتاج إليه مثل "اليد" أي العمال والآلات و الأرض.



2- علاقات الإنتاج: وهي طريقة التنظيم التي يخضع لها مجتمع ما مثل "الملكية الخاصة" لوسائل الإنتاج التي سادت في النظام الرأسمالي ومجموع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، يعطي ما يسميه ماركس بنمط الإنتاج مثل: نمط الإنتاج الرأسمالي أو الإقطاعي أو العبودية. ويرى ماركس أن التغيير الذي يطرأ على قوى الإنتاج يصطدم بعلاقات الإنتاج التي لا تميل إلى الاستجابة لما وقع من تغير في قوى الإنتاج . إن هدا التناقض يؤدي إلى وقوع صراع اجتماعي هو "الصراع الطبقي " الذي يعد المحرك الأساس للتاريخ.



وفي نفس الاتجاه الذي ذهبا فيه كل من ماركس وهيجل اعتبر لوي التو سير التاريخ – من خلال نص" التاريخ سيرورة بدون ذات فاعلة " – سيرورة لا تحكمها ذات فاعلة ،اد أنها سيرورة اغتراب مستمرة لاتحركها أية قوة أو ذات إنسانية.



لقد ارتبط اسم التو سير بالفكر البنيوي، حيث اعتبر مشروعه قراءة للفكر الماركسي من زاوية بنيوية، وحاول إقامة دعائم بنيوية ماركسية ذات طابع علمي لا اديولوجي ورغم أن التوسير يرفض إلحاق اسمه بجماعة البنيويين ،فان الدارسين يبرزون تأثره الشديد بمفهوم البنية وتطبيقه للمنهج البنيوي من اجل إعادة بناء الماركسية .



إن التوسير يعتبر نفسه باحثا ماركسيا حاول الكشف عما تنطوي عليه الماركسية من نزعة علمية.



هكذا يتضح لنا كيف أن كل من هيجل وماركس والتو سير يعتبرون الإنسان محكوم عليه بسيرورة تاريخية وشروط وظروف خارجة عن إرادته لتكون بدلك وسيلة يستعملها لتحقيق غاياته.



هدا من جهة ،ومن جهة أخرى مغايرة عما سبق نجد أن كل من سارتر،ماكيافيلي و لويس غولدمان يتفقون جميعهم على فكرة واحدة، مفادها أن الإنسان هو صانع للتاريخ وفاعل فيه .



لقد حاول سارتر أن يبرز - من خلال النص – دور الإنسان في بناء الصرح التاريخي لكن دونما إغفال حدود هدا الدور،ودالك من خلال تحديد طبيعة العلاقة الموجودة بين الإنسان وشروط وجوده .



فالإنسان – حسب سارتر – يتعرف على كينونته من خلال صيرورة التاريخ نفسه"إن المبدأ الذي اعتمد عليه سارتر يتأسس على حقل الفلسفة الوجودية , لكن ليس باعتبارها مذهبا بل تمردا على المذاهب , فالوجودية حياة وليس موضوعا للتفكير وقضايا الإنسان لايمكن أن تكون معان مطلقة بل هي مشاكل عينية . فالوجود في أصله هو وجود الذات المفردة والإنسان يوجد أولا تم تتحدد ماهيته فيما بعد(فالوجود سابق عن الماهية ) والإنسان حرفي اختيار ماهيته داخل حدود النوع الإنساني . انه مشروع دائما لايحقق أبدا ذاته فهو دائم الخروج من ذاته ليسجلها على المادة ويطبعها بطابعه الخاص " [1]



اما ماكيافيلي فقد حاول – في النص الثالث من كتاب منار الفلسفة – أن يقدم ويجعل في يد الإنسان الإرادة الصلبة والقوة الكافية، لتجاوز الأحداث والوقائع المختلفة عبر التاريخ. فادا كان القدر يتحكم بنصف حياة الإنسان – حسب ماكيافيلي – فان النصف الآخر يبقى بيده يعده كما يشاء لصد كل قدر جامح ومدمر. "لقد كانت ايطاليا في عصر ماكيافيلي تعاني من وطأة الفاتيكان، التي كانت المستفيدة الأولى من واقع تجزئة ايطاليا إلى دويلات متصارعة ومتناحرة "[2] .



وعليه، فان ماكيافيلي يوضح لنا من خلال هدا النص، كيف يجب على الإنسان أن يصنع أحداته وتاريخه، ليشكلا الصخرة التي تتكسر عليها كل غزو أو تهديد خارجي.



وبنفس النهج رفض لوسيان غولدمان - من خلال نص "من يخلق البنيات" – كل التصورات السابقة التي تقلص من دور الانسان وتقزمه، بل وتجعل منه وسيلة يعبث بها القدر والتاريخ، فادا كان ألتو سير وماركس يجعلان البنيات و الأنساق المتعالية المحرك الأساس للتاريخ، فان غولدمان ينفي دلك معتبرا الممارسات الإنسانية والبشرية وأفعالهم وعلاقاتهم، الدافع الأكيد لسيرورة الأحداث التاريخية.



إن الذوات هي التي تنشئ علاقات الإنتاج الموجودة، كما تنشئ أنماط إنتاج جديدة. فليس اللغة والبنيات هي التي تخلق الناس، بل الناس هم الدين يخلقون هده اللغة وهده البنيات، دلك لأن البنيات ليست دواتا ولم تنتج أبدا شيئا، وعليه فان هده البنيات - حسب غولدمان - ما هي إلا تجليات لسلوك ولفكرة ولحياة الذات.



هكذا يتضح لنا مما سبق كيف ان كل من سارتر،ماكيافيلي وغولدمان حاولوا إعادة الاعتبار للذات الإنسانية، في إطار صناعتها للتاريخ. فللذات دور مركزي وأساسي في بناء سيرورة الأحداث الإنسانية ، وليس البنيات سوى مظاهر لسلوكيات هده الذوات.



وبالتالي نخلص من خلال قراءتنا لآراء هؤلاء الفلاسفة، أن على الرغم من استبعاد الإنسان من الفاعلية في التاريخ فان هناك من الفلاسفة من حاول موضعته لجعله" الدينامو" المحرك للتاريخ ولسيرورة الأحداث الإنسانية، بل إن البنيات التي ادعى أصحابها أنها هي أساس التاريخ أضحت مظهرا من مظاهر سلوك وفكر وحياة الذات .









جمال هاشم"قاموس الفلاسفة"ص140- 141دارالنشر الخطابى1991[1]




دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا :الغير

محاور الدرس




1) وجود الغير.



2) معرفة الغير.



3) العلاقة مع الغير.

تــــمــهــيـــد




ينتمي مفهوم الغير إلى مجال الوضع البشري و العلاقات البشرية بمختلف أبعادها الأنطولوجية ( الوجودية ) و الفكرية و الوجدانية مما يبرز طبيعته الإشكالية . حيث تنشأ هاته الإشكالية انطلاقا من كونه ذاتا ( تشبهني و تختلف عني، و من كونه ضروريا لوجودي بصفتي وعيا .) يختلف عني و لكنه يلتقي معي في هذا الاختلاف بالذات ما دمت أن بدوري أختلف عنه فأنا أشبهه في اختلافي .



و بهذا المعنى فنحن نتشابه و نختلف عن بعضنا البعض في نفس الوقت ، و على هذا النحو فإن علاقتي بالغير علاقة معقدة و ملتبسة تحمل دلالات عديدة ،حيث يضعنا المعنى الدلالي للغير أمام مجموعة من المفاهيم مثل ( المستثنى ، المختلف ، المتميز، المتقابل ، المتحول ، المباين ، المنفي ، المتعدد ، القريب، الغريب .)



هذا و تتفق معاجم الفلسفة ،خصوصا لالاند و بول فولكيي على أن للآخر معان متباينة ، فلالاند يقول في معجمه الفلسفي : " الآخر هو أحد المفاهيم الأساسية للفكر، و من تم يستحيل تعريفه بتقابل مع الهوهو و يعبر عنه بالمتنوع و المختلف و المتميز."



و فولكيي في معجم اللغة الفلسفية يقول : " الآخر مستنبط من الجذر اللاتيني Alter و منه Alterité و الغيرية Alteruisme و هو مفهوم أساسي يمكن أن نعطيه معاني مختلفة منها المختلف Le different المتميز Le distinct ، المتنوع Le divers ، المنفصل Le separé . "



كما يبرز الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل ( 1770 - 1831 ) نوعا من التأسيس الفلسفي لطبيعة العلاقة بين الأنا و الآخر . فليس الوعي بالذات هو معرفة الأنا لذاته ، بل هو التعرف على ذاته في موضوع غريب عنه . فكل ذات ترغب في أن يعترف بوجودها من طرف ذات أخرى تواجهها ، و السعي الحقيقي للوعي بالذات و أن يجد ذاته في الآخر . أي أن الآخر لا يتجلى في الذات و لا يتم الاعتراف بوجوده كمغايرة إلا من خلال فكرة صراع الذوات .



واضح إذن ، أن تحديد مفهوم الغير يتم في ارتباط مع مفهوم الأنا . فالغير هو غير "الأنا " إذ أن هذا التداخل قد يصل إلى مستوى أن كلا منهما يحايث الأخر و يباطنه على اعتبار أن الأنا يشكل عنصرا صميميا لتحديد مفهوم " الغير " ، فأنا أتعرف على ذاتي و أقدر قيمتها انطلاقا من الغير . بحيث أن علاقتي بذاتي تمر عبر علاقتي به، سواء أكان قريبا ( من نفس العائلة أو من نفس البلد ) أو بعيدا عني ثقافيا و حضاريا و لا يستطيع أي أحد منا أن يتخلص من الآخر .



إن تنوع الدلالات و اختلافها ، يضفي طابعا إشكاليا على موضوعات الغير، و يولد عدة تساؤلات منها : ما طبيعة العلاقة الوجودية التي يمثلها الغير بالنسبة للأنا ؟ و إذا كان الغير موجودا ، فهل هناك من إمكانية لمعرفته ؟ و ما الرهانات التي تنشأ عن علاقة الأنا بالغير ؟



الــمـحـور الأول : وجـــود الــغـيــر



إن التفكير في العلاقة الوجودية مع الغير هو تفكير فلسفي حديث ، قائم على أساس و عي الذات لطبيعة العلاقة مع الآخر و هاته العلاقة التي كانت نتيجة وعي الإنسان بالآخر، حيث أنه لا وجود لأنا أو وعي على هامش العالم معزولا عنه على اعتبار أن الآخر هو ضرورة أنطولوجية و معرفية و وجدانية .



لكن إذا كان وجود الغير ضروري لكي يتحقق وعي الذات بذاتها ، فما طبيعة الوجود الذي يتمتع به الغير بالنسبة للأنا ؟ و هل يمكن الاستغناء عن الغير بوصفه تهديدا للأنا ؟ أم أن وجوده ضروري بالنسبة للأنا ؟



يقدم الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر ( 1889- 1976) تصوره حول مسألة وجود الغير و معنى الوجود الإنساني في العالم باعتبار أن حضور الغير في علاقته بالأنا هو إفراغ للذات من خصوصيتها و كينونتها الفردية التي تميزها عن ذات أخرى و تذيب كل الاختلافات و التمايزات التي تفقد الشخص هويته التي تميزه في الحياة اليومية المشتركة مع الناس .



فوجود الغير في علاقته بالأنا هو تهديد لهذا الموجود الذي يفقد الذات خصوصياتها فتتيه في عالم أشبه بتوأم مشابه لطبيعتها .



و يعكس موقف الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر ( 1905- 1980 ) في كتابه "الوجود و العدم" من مسألة وجود الغير بالنسبة للأنا انطلاقا من التصور الوجودي للغير الذي يتمثل في كون هذا الوجود يجعل الأنا أمام مفارقة مزدوجة على اعتبار أن هذا الوجود بالنسبة للأنا هو وجود سلبي يحد من حرية الأنا و يشل إمكاناتها الذاتية من خلال نظرة الغير إليها التي تشيئها و تسلبها حريتها و تولد فيها الخجل كشعور غير مباشر و كعلاقة باطنية بين الأنا و ذاته باعتبار الغير هو الوسيط بينهما.



و في نفس الوقت ، فإن وجود الغير بالنسبة للأنا هو شرط ضروري لإدراك الأنا كوعي و تحقيق الوعي بالذات الذي يمر عبر الآخر باعتباره حرية .



هذا ويؤكد الفيلسوف الألماني ادموند هوسرل( 1838- 1859 ) على ضرورة حضور الغير انطلاقا من فكرة "القصدية" التي تقوم على نقيض ما تم بناؤه في الفلسفة الحديثة أي في اعتبار أن الذات المفكرة هي التي تجعل الإنسان يعي ذاته بمعزل عن العالم الخارجي و عن الآخر. لكن ،هاته العزلة سرعان ما ستضمحل بعد بروز فكرة القصدية : " عندما أفكر فأنا أفكر في شيء ما " أي من خلال وعي الذات بشيء ما . غير أن هذا الوعي بوجود الغير هو وجود مزدوج ،ذلك أن إدراك الآخر يكون باعتباره موضوعا للعالم لا بوصفه شيئا من الأشياء الطبيعية . و كدا حضور الغير كذات تدرك العالم من خلال تجربتها في العالم المعيش و تجربة الآخرين يجعل من فعل الوجود ضرورة مشروطة و خاصة لكل واحد منا .



كما يذهب الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي (1908 – 1961 ) على بلورة التصور الفينومولوجي لوجود الغير و الذي يتمثل في كون هذا الوجود هو وجود مستقل و وعي لذاته و لا يمكن اعتباره موضوعا أو شيئا كباقي الأشياء الطبيعية الأخرى .



فوجود الغير وجود مزدوج ، فهو وجود في ذاته من حيث كونه كجسد و كموضوع للعلوم . و في نفس الوقت فهو وجود لذاته أي كوعي خالص يواجهه الأنا . و لهذا لا بد من عملية متناقضة من أجل إدراك الغير إذ لا يتحقق الوجود الإنساني الفردي ( الأنا ) و الجماعي (هم ) إلا بحضور مادي أو رمزي لذوات إنسانية تنشأ بينها علاقات مركبة و متداخلة .



و يدعو كل من الفيلسوف جيل دولوز ( 1925- 1995 ) و فيلكس غثاري ( 1930 – 1992 ) حول مسألة وجود الغير إلى تجاوز التصور الكلاسيكي الذي تبلور مع الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت و الذي يرجع الماهية الإنسانية إلى الذات المفكرة باعتبار التفكير دليل على وجودها .و هذا التفكير في الذات يمكن الإنسان من الوعي بوجوده بمعزل عن العالم الخارجي و عن الآخر.ليتجاوز كل من الفيلسوفين هذا الموقف من خلال اعتبار أن وجود الغير بالنسبة للأنا لا يشكل أنا آخر من حيث هو مخالف لطبيعة الأنا، و إنما بوصفه عالما ممكنا لا يظهر من خلاله الغير كذات أو كموضوع و إنما يظهر بوصفه عالما لم يتحقق في بعده الواقعي .



لكن رغم ذلك فهو عالم معبر عنه من خلال لغة معبر عنها تمنح صفة الوجود لهذا العالم الممكن لينفتح أمام الذات و ينكشف هذا الآخر للأنا و ذلك بالتعبير عنه بلغة واقعية تجسد حقيقة هذا الآخر و تجعل من عالمه الممكن عالما قائم الذات .



و على ضوء هاته المواقف نخلص إلى أن مسألة وجود الغير بالنسبة للأنا هي مسألة لا تنحصر في علاقة شيئية بين ذات و موضوع و إنما هي علاقة تسعى إلى فهم الذات لذاتها ، و لهذا فإن معرفة الذات لذاتها تمر عبر معرفة الآخر. لكن، السؤال الذي يطرح هنا هو : هل الغير قابل للمعرفة ؟



المـحـور الـثـانـي : مـعـرفـة الـغـيـر



تطرح معرفة الغير إشكالية تتمثل في ثنائية الذات و الغير ، هذه الثنائية تشكل علاقة " ابستيمية "بين طرفين، أحدهما يمثل الذات العارفة و الآخر يمثل موضوع المعرفة ، و هذه الثنائية تضفي طابعا إشكاليا على الموضوع من خلال أنه إذا كان الغير موجودا ، فهل هناك إمكانية لمعرفته ؟ و إذا كانت معرفته ممكنة ،فهل تتم معه بصفته ذاتا واعية و حرة ؟ أم يتحول إلى موضوع خارجي أو شيء من الأشياء ؟ و هل يمكن الاستغناء عن الغير و العيش في عزلة مطلقة ؟



يقدم الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر تصوره حول العلاقة بين الأنا و الآخر كما تتجلى في مختلف مظاهر الحياة المعيشة ( النظرة،الحب...) على أنها علاقة صراع تدور حول الموضعة، و تتجلى خاصية الصراع في أنني أحاول أن أدرك الآخر كموضوع أشيئه و أفقده بالتالي إمكاناته و حرياته . و حين أنظر إليه كذات يشيئني و يفقدني حريتي .



و يظهر الوصف الذي قام به سارتر بمختلف مظاهر الحياة المعيشة ، أنني أعجز عن النظر إلى الآخر كذات و كموضوع في نفس الوقت . و بالتالي يظهر أن الوضعية التي أعترف فيها بحرية الآخر هي وضعية مستحيلة على اعتبار أن وعي الآخر كوعي حر هو وعي يوجد خارج قدراتي المعرفية و يحمل تناقضا و استحالة.



و على العكس من ذلك يذهب الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي إلى أنه لا يجب أن ننظر إلى علاقة الأنا بالآخر و كأنها تتلخص في صراع حول الموضعة . بل يجب أن ننظر إليها على أنها علاقة تواصل الشيء الذي ينفي العلاقة المعرفية الموضوعية التشيئية التي هي نتيجة للنظر من موقع الأنا أفكر أو العقل في نشاطه القائم على التجريد و التقييم ... و هذه الوضعية يمكن تجاوزها عندما يدخل الأنا و الغير في علاقة اعتراف متبادل كل منهما في فرديته و وعيه و حريته ، و يحضر التواصل حتى في حالة اللاتواصل لأن غياب التواصل هو تواصل ممكن .



و يعتبر الفيلسوف الألماني ادموند هوسرل أن هناك إمكانية لمعرفة الغير ، بحيث ترتبط الذات بالغير من خلال المجال المشترك الذي يسمى العالم . و هذا العالم توجد فيه الذات كما يوجد فيه الغير ، فإدراك الذات لهذا العالم هو إدراك لهذا الغير الذي يوجد فيه . و ما دام العالم يتشكل من هذه الذوات و يتأسس عليها ،فإن إدراكي لها ليس إدراكا معزولا ناتجا عن نشاط فكري أو ذاتي تكون الذات في غنى عما يمكن أن يقدمه الغير من تصورات . فتصور العالم هو تركيب لمجموع التصورات ، و تفاعل الذوات فيما بينها . كما لا يمكن أن نتحدث عن عزلة فكرية و عن عدم القدرة على معرفة الغير ما دمنا نساهم في إنتاج العالم و تشكيل معالمه ، و يظهر الغير في العالم و كأن له القدرة على التحكم في تصرفاته و انفعالاته ، بمعنى أن هناك علاقة بين ما هو نفسي و ما هو جسمي ، فالنفسي له القدرة على التحكم في الجسم و ضبطه لهذا الجسم الذي يخرج ما هو نفسي إلى الوجود و الظهور لا يكون مرتبطا بالذات أو الغير، بل يكون مرتبطا بالعالم و يمكن من معرفة هذا الغير و فهم القصد من تصرفاته و أفعاله ، و هذا ما تفسره تجربة " النحن " القائمة على مفهوم " البينذاتية " .



لكن ، هذه المعرفة تطرح مع الفيلسوف الفرنسي مالبرانش (1638 - 1715) صعوبة معرفة الغير على اعتبار أنها تخمين أو ضرب من الظن يوهمنا بأننا نستطيع الوقوف على حقيقة الغير و معرفته ، هذه المعرفة التخمينية يمكن إدراجها في مسألة الإمكان ، و بذلك تكون لدينا عدة خيارات و إمكانات لمعرفة الغير . و لا يمكن تصنيف هذا الغير ضمن إمكانية واحدة و إقصاء الأخرى ، و إلا ستكون معرفة الغير حقيقية و ضرورية. و هذه الإمكانات قد يندرج ضمنها الغير و قد يخرج عنها ، و دخوله تحتها أو خروجه عنها يدخل ضمن هذا التخمين. و لذلك تبقى الوسيلة الوحيدة لمعرفة الغير هي إخضاعه لمقتضى الذات و ما تعرفه هي عن ذاتها. و بالتالي " فأنا أطلق الحكم بأن الآخرين يشبهونني " لكن، عندما " يحدث في جسمي انفعال من الانفعالات فأنا أخطئ دائما إذا ما حكمت على الآخرين من خلال ذاتي " . لذلك فكل تقييم أو تصنيف للغير يكون منطلقه الذات يكون معرضا للخطأ ومن تم القصور و عدم خضوع الغير للمعرفة الذاتية دليل على أنه يرفض القيود و الاكتشاف ، لأنه كائن مجهول يتستر وراء حجاب خاص هو الأنا الذي نجهله و يجهله كل واحد منا .



و يرى الفيلسوف الفرنسي غاستون بيرجي (1859 - 1960 ) أن الذات تشكل عالما فريدا من نوعه في استقلال و انفصال عن الغير،إذ لا يمكن سبر أحدهما أغوار الآخر رغم حضورهما معا . و هذا الحضور لا يكون إلا للجسد أو للجسم . لكن ، عقلي و تفكيري غائب عن هذا الحضور، يتوارى وراء حجب اللانكشاف و اللاظهور. فكل ما تمر به الذات لا يمكن للغير أن يشاركني فيه بنفس الدرجة و المقدار، إلا أنه قادر على الإحساس و التعاطف ، بمعنى أن هناك انغلاق الذات على ذاتها مما يجعل معرفة الأنا للغير و معرفة الغير للأنا مستحيلة بفضل هذه الحواجز و العوائق التي تنصبها الذات أمام الغير تجعلها ذاتا مبهمة تستعصي على المعرفة و الإدراك،و لأنها تنفلت من كل تحديد و تصنيف تجد نفسها طليقة القيود لا تخضع إلى أي قابلية للموضعة .



على ضوء المواقف السالفة الذكر يمكن استخلاص أنه من الممكن تجاوز هذه المفارقات التي تطرحها معرفة الغير بسبب حمولتها الميتافيزيقية ( ثنائية الذات و الموضوع ) و ذلك بالنظر إلى الغير ككلية و وحدة لا تقبل التجزئة و الانشطار ، أي النظر إليه كبنية .



و من هذا المنظور لم يعد الغير شخصا ، أو فردا معينا ، بل هو نسق أو نظام يحكم العلاقات و التفاعلات بين الأشخاص و الأفراد ، لكن على أي أساس تنبني علاقة الأنا بالغير ؟



الــمـحـور الـثـالـث : عــلاقــة الأنــا بـالـغـيـر



لا شك أن علاقة الأنا بالغير أغنى و أعقد من أن تختزل إلى علاقة معرفة. فهي في الواقع الفعلي علاقة مركبة تختلف و تتنوع تبعا لأوجه الغير كما يتجلى ذلك في الكلمات التي تنضوي تحت لواء العلاقة بالآخر، مثل : الصداقة ، الغرابة ، الصراع ، الإيثار ، الاشتراك ....



من هنا تنبثق الإشكالية الفلسفية لعلاقة الأنا بالغير، و هي إشكالية يمكن صياغتها من خلال الأسئلة التالية: ما طبيعة العلاقة التي تربطني بالغير ؟ هل هي علاقة محبة و احترام،أم علاقة نبذ و إقصاء ؟ و ما هي الشروط التي يمكن أن تجعل هذا النوع من العلاقة ممكنا ؟ و علي أي أساس تنبني هذه العلاقة ؟



يعتبر أرسطو ( 384 – 322 ق.م) أن ماهية العلاقة التي تربط الإنسان بالآخرين هي الصداقة على اعتبار أن هذه الأخيرة " ضرب من الفضيلة أو على الأقل إنها دائما محفوفة بالفضيلة " . و علاوة على أن الصداقة جميلة و شريفة فهي إحدى الحاجات الضرورية للحياة ، إذ لا أحد يقبل أن يعيش بدون أصدقاء.



و يذهب الفيلسوف إلى القول :" بأن الصداقة هي رابطة الممالك و أن المشرعين يشتغلون بها أكثر من اشتغالهم بالعدل نفسه " ، و نفهم من هذه القولة أن تحقيق الانسجام و التوافق داخل المجتمع شبيه بالصداقة. بل إن قيام الصداقة الحقة ( صداقة الفضيلة ) بين الناس تجعلهم في غنى عن العدالة و القوانين .



أما ايمانويل كانط ( 1724 – 1804 ) فيعرف الصداقة بالقول :" الصداقة في صورتها المثلى هي اتحاد بين شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب و الاحترام " . بهذا المعنى تكون الصداقة عبارة عن مثال للتعاطف و التواصل بين الأنا و الغير ، إلا أن قبو ل هذا المثال لا يضمن سعادة الإنسان ، و إنما يؤهله للبحث عن السعادة ما دامت الصداقة تمثل واجبا عقليا يجب الخضوع له بكل احترام .



و غاية الصداقة في نهاية المطاف هي تحقيق خير الصديقين اللذين جمعت بينهما إرادة أخلاقية طيبة بشرط أن تقوم هذه الصداقة على أساس أخلاقي خالص . لكن ،هل بإمكان قيام المجتمع على الصداقة في وجود الغير البعيد أو الغريب ؟



غالبا ما تلجأ الجماعة إلى تدمير الغريب عنها ، أو إلى إقصائه و تهميشه كونه يهدد تماسكها و وحدتها، ومن هنا كانت ضرورة القضاء عليه لاستعادة توازنها و استقرارها .



بيد أن وحدة الجماعة في نظر جوليا كريستيفا ( 1941 - ...) ليست في الحقيقة سوى مظهر عام ، عندما ندقق فيها ينكشف لنا أن الجماعة بحكم اختلافاتها و تناقضاتها الداخلية تحمل غريبا في ذاتها ، و بالتالي ليس المختلف عنا " هو ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة كلها... و لا ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة " . إن الغريب على حد تعبير جوليا كريستيفا " يسكننا على نحو غريب ".إذا كان الأمر كذلك فما هو الموقف الطبيعي الذي ينبغي أن يتخذ من الغير البعيد ؟



يرى الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي أن الموقف الطبيعي الذي ينبغي أن يتخذ من الآخر المخالف للذات ليس هو موقف النبذ و الإقصاء بل مد جسور التواصل معه و عدم اعتباره موضوعا قابلا للإقصاء و التشيئ ، و فتح قنوات الحوار مع الغير لا يتم إلا إذا خرج كل من الأنا و الأنا الآخر من طبيعته المفكرة، و جعل نظرتا بعضهما للبعض نظرة إنسانية أساسها القبول و تفهم أفعال بعضهما البعض .



و يذهب مؤسس الفلسفة الوضعية أوغست كونط ( 1798- 1857 ) إلى اختزال كل الأخلاق الإنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيا الإنسان من أجل غيره ، لأن الحياة من أجل الغير تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية ، انطلاقا من دوافع التعاطف الإنساني التي تجعل كل فرد من أفراد المجتمع يتلقى مساعدة من طرف الآخرين ، مقابل كبح ميولاته الشخصية و الأنانية . و الغاية التي تنشدها الفلسفة الوضعية هي تهذيب الغريزة البشرية الكونية و تسييجها .



أما مارتن هايدجر فينظر إلى علاقة الأنا بالغير باعتبارها علاقة اشتراك بين الذوات ، لأن العالم الذي أوجد فيه هو دائما العالم الذي أتقاسمه مع الآخرين .فالآخرين هم بالأحرى الكائنات التي لا تتميز عن ذواتنا و نكون موجودين بينها. و هذا الاشتراك يدل على وضعية الإنسان في العالم من خلال تجربته في الحياة ، و من خلال علاقته بالكائنات البشرية الأخرى .



ضدا على المواقف السابقة يقدم ألكسندر كوجيف ( 1902 – 1968 ) موقف هيجل من علاقة الذات بالآخر و التي تقوم في نظره على الصراع من أجل نيل الاعتراف و فرض الهيمنة .بحيث يخاطر الطرفان في هذا الصراع بحياتهما حتى الموت ، و لكن الموت الفعلي لا يحقق هذا الاعتراف و إنما يحقق استسلام أحد الطرفين بتفضيله الحياة على الموت. فيعترف للأنا بالآخر دون أن يعترف الآخر به ، أي الاعتراف بالآخر كسيد و الاعتراف بالذات كعبد لذلك السيد . و من هنا نشأت العلاقة الإنسانية الأولى،علاقة السيد بالعبد .



و بالجملة ، كيف ما كانت علاقة الأنا بالغير ( صداقة،غرابة،إيثار،تواصل،اشتراك بين الذوات،صراع...) فهي تراهن على ما هو أبعد و أشمل في الإنسان ، إنها تراهن على وجوده الإنساني الكوني الذي يتحول فيه البعيد إلى قريب .



دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : الشخص


محاور الدرس




1) الشخص و الهوية



2) الشخص بوصفه قيمة



3) الشخص بين الضرورة و الحرية

- تمهيد




يحيل مفهوم الشخص في التمثل العامي إلى معاني البروزوالظهور،أو المكانة الإجتماعية،الإقتصاديةأو السياسية...وهذا المعنى نجده في لسان العرب لإبن منظور: "رجل شخيص إذا كان سيدا ..." وتشيركلمة"..........." اللاتينية إلى القناع الذي يضعه الممثل على خشبة المسرح للعب أوتشخيص دور معين...أما لالاند فميز في معجمه الفلسفي بين الشخص الطبيعي من حيث هو جسم ومظهر،والشخص المعنوي من حيث هوذات واعية،والشخص القانوني من حيث أن له حقوقا وعليه واجبات.يبدو إذن،أن مفهوم الشخص يحمل اكثر من دلالة؛ وهو مايجعله يطرح صعوبة وتعقيدا ،فيما يتعلق بتحديد هويته،طبيعتها ومتجلياتها،قيمته، أسسها ومقوماتها، وتموقعه في إطار وضعه البشري الذي يسيجه بجملة من الإكراهات النفسية والإجتماعية، قد تفقده هويته وقيمته وحريته. فما الشخص؟ ومن أين يستمد هويته وقيمته؟وهل هو ذات حرة أم كيان خاضع لإكراهات نفسية واجتماعية قد تتجاوز إرادته فتفقده هويته وقيمته وحريته؟وماالسبيل لتجاوز هذه الشروط و الإكراهات لكي يحقق الشخص هويته ويستعيد قيمته و يمارس حريته ؟



ـ الشخص والهوية:





تعود الإرهاصات الأولى لإشكالية الهوية ، إلى الفلسفة اليونانية،فبالعودة إلى قولة سقراط "اعرف نفسك بنفسك "يتبين أن ما يميز الشخص هو قدرته على تكوين معرفة حول ذاته وتصرفاته وسلوكه رغم التغيرات المختلفة التي يمر بها في مسيرة حياته.فما الشخص؟ ومن أين يستمد هويته؟ هل يستمدها من بعده الفكري أم من بعده الحسي أم من بعده الروحي ؟



يؤكد الفيلسوف العقلاني رونيه ديكارت(1596ـ 1650) على أن الفكر هو ما يمثل هوية الشخص، فالتفكير خاصية ملازمة للذات من خلال ممارسة جملة من العمليات الذهنية ،مثل الشك و النفي والإثبات...وهي عمليات لا تنفصل عنها بل إنها دليل على وجودها الوجود اليقيني الذي لايطاله الشك، وهذا ما نجد له صدى في عبارة الكوجيطو الشهيرة " أنا أفكر إذن أنا موجود " ومتى ما انقطعت الذات عن التفكير انقطعت عن الوجود .وعلى خلاف ديكارت يرى الفيلسوف التجريبي جون لوك(1632ـ 1704) أن التفكير وإن كان يجسد هوية الشخص ،فإنه لا يخرج عن إطار الإحساس ،فهو حصيلة احتكاك الذات بمحيطها الخارجي عن طريق الحواس (البصر ،السمع ،الذوق...) وبفضل الذاكرة يمتد الشعوربالهوية الشخصية رغم اختلاف الأمكنة والازمنة يقول جون لوك : " فالذات الموجودة الآن في الحاضر هي نفسها التي كانت في الماضي ،وهذا الفعل الماضي قد أنجز من طرف الذات نفسها التي تقوم باستحضاره في الذهن " .



إذا كانت نزعة ديكارت العقلانية ، قد أرجعت الهوية الشخصية إلى التفكير المجرد؛ وإذا كانت نزعة جون لوك التجريبية ،قد رأت في الفكر بما هو خبرات حسية والذاكرة ما يمثل هذه الهوية . فإن شخصانية إيمانويل مونيي(1905ـ 1950) ترفض اختزال الشخص في بعد واحد من أبعاد وجوده المتعددة ، فهو واقع كلي وشمولي لا يقبل التجزئ أوالتصنيف في إطار إنتماء طبقي أو سياسي أو ثقافي ...لأنه ليس موضوعا ، إنه بنيان روحي داخلي لايدركه إلا الشخص ذاته .



تأسيسا على ماسبق ، يتضح أن المواقف الفلسفية ،تروم تحديد هوية الشخص بالنظر إليه كذات مفكرة .غير أنها تختلف في منظورها لطبيعة هذا الفكر ، فقد حصره ديكارت في الفكر المجرد ،بينما ربطه جون لوك بالتجربة الحسية و الذاكرة ، في حين اعتبرته شخصانية مونيي روحا داخلية . وإذا كان من الصعب الإجماع حول معيار محدد للهوية الشخصية ؛ فإن ذلك يعود إلى الطبيعة المركبة للشخص، إذ لايمكن الإقتصار على نعته بالذات المفكرة فحسب،بل إنه كائن حقوقي وأخلاقي أيضا ....



الشخص بوصفه قيمة:



خلصنا من خلال النقاش السابق إلى أن هوية الشخص تقوم على استحضار مرجعيات متعددة و متداخلة ،لتحديد أسسها وفهمها ،لكن يبقى القاسم المشترك بين الفلاسفة ،هو أن الشخص ذات مفكرة ،عاقلة ،واعية قوامها الأنا كيفما كانت طبيعة وأسس بنائه وتكوينه ( التفكير/ العقل / الشعور / الذاكرة ...) .إلا أن قيمته تقترن بأبعاده الأخلاقية و الحقوقية ، فما الذي يؤسس البعد القيمي الأخلاقي للشخص؟وبمعنى آخر ،من أين يستمد الشخص قيمته ؟ هل من كونه كائنا عاقلا أم من كونه كائنا أخلاقيا يسلك وفق قيم محددة؟



في سياق عرض نظريته للعدالة كإنصاف،يرى جون راولز(1921ـ 2002) أن قيمة الشخص تتأسس على كفاءاته العقلية والأخلاقية ،و المشاركة في الحياة الإجتماعية والتعاون مع الآخرين أفرادا كانوأو جماعات وهيآت ؛من منطلق أن المجتمع نظام للتعاون المنصف؛ فلا يمكن الحديث عن قيمة الشخص إلا إذا تبين بأنه كائن مفكر وكائن أخلاقي يروم العدل والخير والإلتزام والمسؤولية.وفي ذات السياق ،يذهب إيمانويل كانط (1724ـ 1804) إلى أن الشخص لايكتسي قيمته من عقله المجرد ، بل من التصرف وفق مايمليه عليه عقله الأخلاقي العملي ،وٌيلزم احترامه ومعاملته كغاية في ذاته لا مجرد وسيلة ،عملا بالمبدأ الأخلاقي الأسمى ومفاده: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك ،كما في شخص غيرك دائما وأبدا ،كغاية وليس مجرد وسيلة"أي تصرف مع الآخرين كما تتصرف مع ذاتك ؛وهذا مايمنح الشخص قيمة مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويلزم الآخرين باحترامه ،بأن يحافظ على كرامته، وأن يعتبر الآخر غاية لا مجرد وسيلة ،يسري عليه قانون العرض والطلب .أما التصور الهيجلي فينطلق من النظر إلى الشخص ،كقيمة أخلاقية بالأساس ؛لا يمكنها أن تتحقق إلا بإنخراطه داخل حياة المجموع، وتتجلى قيمة الأشخاص في امثتالهم لروح شعوبهم وتجسيدهم لهذه الروح .وهذا يقتضي من الشخص العمل على تحقيق بعده الأخلاقي وامتثاله للواجب ووعيه بالسلوك الخير الممثل للقانون ، والآخر المنافي له .



ومجمل القول، أن الخطاب الفلسفي ينظر إلى الشخص بما هو ذات عاقلة ومسؤولة ،تستوجب الاحترام والمعاملة بوصفها غاية لا مجرد وسيلة ،كما أن قيمته لا تتحدد في مجال الوجود الفردي بل في انفتاحه على الآخرين في إطار أشكال من التضامن الإنساني القائم على التعاون والإلتزام بالمبادئ الأخلاقية ...



الشخص بين الضرورة والحرية:





لقد مهدت العلوم الإنسانية الطريق أمام الإنسان للتعرف على الإكراهات والحتميات التي تتحكم فيه ، متقاطعة في ذلك مع بعض التوجهات الفلسفية الحتمية التي تنفي عن الشخص كل مبادرة للفعل الحر . فإذا كانت بعض فلسفات الوعي قد جعلت من الذات سيدة نفسها وأفعالها ،فإن هناك توجهات فلسفية وعلمية ،كشفت على أن الأنا ليس سيد نفسه وأفعاله ولو في عقر منزله الخاص .فكيف يمكن النظر للشخص ؟ هل باعتباره ذاتا حرة ،أم بوصفه كيانا خاضعا لشروط وإكراهات قد تتجاوز إرادته وتحد من حريته ؟ أليس بمقدور الشخص أن يتحدى هذه الشروط و الإكراهات وذلك من خلال نزوعه نحو التحرر وقدرته على الإختيار؟



لقد كشف رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد (1856ـ 1938) على أن الشخص ليس سيد نفسه وأفعاله ،فالجزء الأكبر من سلوكاته وأفعاله يعود إلى حتميات لاشعورية ترتبط بتاريخ الفرد منذ طفولته المبكرة ؛وذلك من خلال تفاعل مكونات الجهاز النفسي ، أي الهو ويمثل الميول والدوافع و الغرائز ؛ الأنا الأعلى ويمثل القيم والمعايير الإجتماعية التي يتشربها الطفل من محيطه عن طريق التنشئة الإجتماعية، الأنا وتقوم بوظيفة تنسيقية بين رغبات الهو وإملاءات الأنا الأعلى وإكراهات العالم الخارجي .وهذا التفاعل يوضح أن الشخص محكوم بحتميات لا شعورية قد لا يعيها ،وتتجلى في مجموعة من السلوكات اللاواعية ( فلتات اللسان ، زلات القلم ، الأحلام ...) .وفي السياق نفسه ،يأتي موقف باروخ اسبينوزا (1632ـ1677 ) ليؤكد على أن الشعور بالحرية أو القول بحرية الفعل مجرد وهم ناتج عن وعي الإنسان بأفعاله وجهله بأسبابها الحقيقية الكامنة وراءها ،ومثال ذلك أن الحجر المتدحرج،يتوهم أنه يتحرك عن حرية واختيار ـ إذا ما افترضناه يتوفر على الوعي ـ في الوقت الذي يجهل العلة الخارجية التي كانت سببا في حركته، وبالمثل فالطفل الرضيع يشتهي الحليب والشاب المنفعل يريد الإنتقام أو الهروب والشخص الثرثار يعتقد أنه حر في أقواله في الوقت الذي يجهل الأسباب الحقيقية الكامنة خلف سلوكه.وعلى خلاف ذلك تقر شخصانية إيمانويل مونيي (1905ـ 1950) على أن الشخص كائن حر وهو الذي يقرر مصيره ويتخد قراراته دون وصاية من أحد فردا كان أوجماعة ،وذلك في إطار مجتمع يكفل لأفراده الحماية والوسائل اللا زمة لتطوير ميولاتهم وتنميتها ، بعيدا عن كل نزعة تنميطية وتحكمية لا تؤمن بالإختلاف ؛فالشخص ليس وسيلة ، كما لا ينبغي أن يقوم أحد مقامه في اتخاد قراراته، فحرية الشخص مشروطة بوضعه الواقعي .



تأسيسا على ماتقدم ،يتضح أن الوضع البشري يسيج الشخص بجملة من الشروط والإكراهات ،النفسية والإجتماعية والثقافية ؛والتي قد تتجاوز إرادته .غير أن قدرته على التخطيط لمشاريعه وتحقيق تطلعاته ، لاتنفي قدرته على الفعل و الإختيار...





تمرين تطبيقي





"ما الأنا؟ إن رجلا يقف على النافذة لرؤية العابرين يجعلني أتساءل إذا كنت أمر من هناك وقف ذلك

الرجل لرؤيتي أنا؟ الجواب لا،لأنه لا يفكر في أنا بصفة خاصة.لكن بالنسبة لإنسان يحب أحدا لجماله، هل يحبه فعلا؟ الجواب لا،لأن داء الجذري إذ يقضي على الجمال،دون أن يقضي على الشخص،سيقضي على ذلك الحب تماما ؛وإذا كان هناك من يحبني نظرا لجودة حكمي أو لقوة ذاكرتي،فهل يحبني أنا فعلا ؟ الجواب لا،لأنه يمكن أن أفقد تلك الصفات دون أن أفقد ذاتي.فأين يوجد إذن هذا الأنا ،إذا لم يكن لا في الجسم ولافي النفس؟ثم كيف نحب الجسم أو النفس،إذا لم يكن بسبب تلك الصفات التي ليست هي الأنا أبدا،لأنها قابلة للزوال؟وهل يمكن أن نحب بشكل مجرد جوهر نفس شخص مع بعض الصفات البارزة؟هذا غيرممكن وغير عادل .إننا لا نحب أحدا إذن ،بل نحب فقط صفات معينة"

بليزباسكال،خواطرالفقرة88،ص:36ـ37





حلل و ناقش





هام :يعتبر هذا الملخص اقتراحا لصيغة أولية تقريبية مساعدة لمفهوم الشخص حسب الكتاب المدرسي "منار الفلسفة"



مع تحيات موقع تفلسف tafalsouf.t35.com



*********



****



إعداد: عبد العزيز شكود، جمال الدين البوعزاوي، حميد شيبوب







يتحدد الشخص في السياق الفلسفي باعتباره الفرد الذي تنسب له مسؤولية أفعاله الصادرة عنه، كما أنه يأخذ قيمة خاصة عندما ينظر اليه كذات واعية و حرة و مسؤولة ذات كرامة، نعني ذاتها و قيمتها الأخلاقية، من هنا نطرح السؤال التالي :



كيف تتحدد قيمة الشخص، هل باعتباره ذاتا أخلاقية في تعامله مع الآخرين؟ أم أنه ذات معزولة و متعارضة معهم؟.



تصور كانط : العقل أساس قيمة الشخص و كرامته.



ذهب كانط في تصوره لقيمة الشخص إلى القول أن الإنسان هو أكثر من مجرد طبيعي، إنه ذات لعقل عملي أخلاقي يستمد منه كرامته، أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم أو سعر، وما دام هذا العقل ومقتضياته كونيا، فإن الإنسانية جمعاء تحمل داخل كل فرد مما يستوجب احترامه و معاملته كغاية لا كوسيلة، و النظر إليه كما لو كان عينة تختزل الإنسانية جمعاء. و هذا الإحترام الواجب له من طرف الغير لا ينفصل عن ذلك الاحترام الذي يجب للإنسان تجاه نفسه، إذ لا ينبغي له أن يتخلى عن كرامته، بل يجب عليه دائما أن يحافظ على الوعي بالخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي الذي يدخل ضمن مفهوم الفضيلة.



و على هذا الأساس، فمهمة الإنسان لا تكمن في تقبل الحالة الواقعة، وانما في تجاوز الواقع، فالعقل ينبغي أن يتحكم في الواقع و يحكمه، فهو لا يخضع بقدر ما أنه يخضع. كما أن هناك رباطا أساسيا بين العقل و الحرية، لكن الحرية هنا ليست رفض كل ضرورة و إلزام، إنها خضوع للقانون، أي القانون الداخلي للعقل. وفي مجال هذا القانون الأخلاقي يكون الإنسان قانون نفسه، إنه مجال الأوطونوميا الذي يرفض خضوع العقل لما كان يعتبر أوثانث تحده و تحد من حريته. صحيح أن هناك ميادين يعمل فيها العقل بكل حرية مثل العلوم و الصنائع، و لكن هناك مجالات أخرى لا يكون فيها إعمال الفكر حرا، لذا يقوم كانط ضد هذه المجالات، و سيرفض لأخلاقه أن تؤسس على الدين أو أن تكون خضوعا لأوامر خارجية.



هكذا فإذا كان الإنسان يعامل نفسه كغاية بالذات، فواضح أنه لا يمكن الاقتصار على اعتباره خاضعا للقانون، وإنما يجب أن يكون أيضا مانع القانون، و متى كان هذا القانون صادرا عن العقل، كان واحدا عند جميع الموجودات العاقلة و كانت هذه الموجودات بمثابة عالم معقول، أي اتحاد منظم خاضع لقوانين مشتركة.



كتب كانط هذه الأفكار في " أسس ميتافزيقا الأخلاق" في القرن 18، و صحيح أن القرن العشرين شهد تحسنا كبيرا للوضع البشري، لكن عرف في المقابل أزمات و كوارث انسانية خطيرة كالحروب و التطهير العرقي، مما جعل التفكير الفلسفي يعاود مجددا طرح السؤال حول قيمة الكائن البشري بالشكل الذي أكدته بنود اتفاقية حقوق الإنسان. إن هذا الوضع البشري المأساوي، جعل الفيلسوف الأمريكي طوم ريغان يؤكد أن التأسيس الكانطي لقيمة الشخص غير كاف، و حجته في ذلك أننا ملزمون باحترام القيمة المطلقة لكائنات بشرية إير عاقلة مثل الأطفال و المجانين و غيرهم. و عليه فإن الخاصية الحاسمة و المشتركة بين الكائنات البشرية ليست هي العقل، بل كونهم كائنات حاسة أيضا.



و لإبراز و توضيح هذا التصور، يؤكد توم ريغان أن التصور الكانطي بالرغم من أنه عميق و قيم فإنه لا يخلو من تناقصات و مفارقات لخصها في سؤال كبير هو :



- ماهي الكائنات البشرية التي تستحق صفة الشخص؟



يجيب ريغان بالقول أن البويضة المخصبة حديثا و المرضى الذين دخلو حالة الغيبوبة الدائمة يظلون بشرا، لكنهم ليسوا أشخاصا وفق التعريف الكانطي، و نفس الحكم ينسحب أيضا على الرضع والأطفال حتى سن معينة، هذا إضافة إلى كل الكائنات البشرية التي تفتقد للقدرات الفكرية التي بموجبها يعرف كانط الشخص البشري، إن كل هؤلاء يفتقدون الحق في الاحترام. هكذا فالانسان ليس كائنا عاقلا فحسب، بل كائن حاس يستشعر حياته أيضا.



تصور امانويل مونييي :



يؤكد المذهب الشخصاني الذي يتزعمه ايمانويل مونييي أن للشخص قيمة مطلقة، فهو صاحب المركز الأسمى في الكون. و تتمثل هذه القيمة في خروج الشخص من ذاته و الانفتاح على الآخرين، أي على المجتمع، وهنا لابد للشخص أن يتمتع بالحرية الداخلية و الحرية الخارجية أيضا.



وعلى هذا الأساس يعتبر مونييي الشخص قيمة و غاية في حد ذاته وليس مجرد موضوع خارجي أي شيء مادي، و تتحدد هذه القيمة في مايلي :



أولا : أن الشخص لا يمكن أبدا أن يعتبر وسيلة بالنسبة لشخص آخر أو مجموعة أخرى.



ثانيا : يكون القانون الإجتماعي ظالما عندما يعتبر الأشخاص مواضيع قابلة للتبادل أو التجنيد و ممارسة الإكراهات و العنف ضدهم.



ثالثا : ليست مهمة المجتمع باعتباره نظاما شرعيا و قانونيا و اجتماعيا و اقتصاديا، لا أن يخضع الأشخاص ولا أن يضطلع بتطوير نزعاتهم، و لكن ان يضمن لهم الحماية و الأمن و أوقات الفراغ و اللعب و مساعدتهم على بلوغ الحرية من خلال تربية تأخذ بعين الاعتبار الشخص كغاية في حد ذاته.



تصور هيجل :



يرى التصور الهيجيلي أن القيمة الأخلاقية للشخص لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل، وانطلاقا من المكانة التي يحتلها داخل الجماعة التي ينتمي اليها، عليه الإلتزام بواجباته و القيام بدوره و المهام التي اسندت اليه، انها دعوة للإنفتاح على الآخرين و على الواقع من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير و التأثر، و معيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن شخص امتثالا للواجب الأخلاقي.



فالشخص حينما ينخرط في روح شعبه، يصبح مشاركا و مساهما و منخرطا في الروح العامة لشعبه التي تظهر في حضارته بكل قيمها و فنونها و مؤسستها، وهذا يكتسب وجود الشخص كونية شعبه.



هكذا، لا يكتسب الأفراد أي قيمة الا حينما يمتثلون لروح شعوبهم و يختصون بمهمة داخل حياة المجموع، وتكون هذه المهمة قائمة على اختيار حر الفرد.



ومن جهة أخرى، يرى هيجل أن إضفاء صنعة كونية على الفرد يتم من خلال التربية التي تعلمه ما يصلح أخلاقيا للجميع، و تربيه على الغايات العامة للمجتمع كالخير والحق والواجب.



تصور راولز :



تقوم نظرية العدالة عند راولز على فكرة مفادها أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، قادر على المشاركة في الحياة الاجتماعية و لعب دور معين فيها. فقيمة الشخص تكمن في كونه مواطنا، و جميع الأشخاص هم مواطنون أحرارا وأندادا، بفضل كفاءاتهم العقلية و الأخلاقية.



وفي هذا الإطار، ينتقد راولز في كتابه نظرية العدالة تصور النفعيين الذين لا يهتمون بالحريات الأصلية للأفراد، و يؤكد أن هذه الحريات لا يمكن بيعها و شراؤها، ولا يمكن التضحية بها إذا تعارضت مع النفع العام. و هنا لابد للنظام الاجتماعي مراعاة الحقوق العامة للأفراد، و يذكر منها حق التعبير و حق العمل و حق الإجتماع و حق الملكية و حق الحماية من الأعتقال و السجن التعسفيين.



و من جهة أخرى، يؤكد أن العدالة الإجتماعية تقتضي توزيع الخيرات على جميع المواطنين بشكل عادل، على أساس أن جميع هذه الخيرات ملك لجميع الأفراد، و جميع الأفراد ساهموا في حصول هذه الخيرات.



هكذا تعتبر الخيرات كلها غير موروثة، فهي مكتسبة و قابلة للتداول، ذلك أن المجتمع العادل يضمن لكل من ينتمي إليه حريات مدنية لا يمكن المساس بها، و تضمن له أن يبلغ ما يشاء من الدرجات.



موقف غوسدورف :



يرى جورج غوسدورف أن معرفة الذات لا تحقق بمجرد النظر إلى أنفسنا و التأمل فيها، إنها لا تتحقق إلا بواسطة العالم وفي العالم، لذلك نجده يقيم تقابلا بين الفرد باعتباره يعني ذاته و الشخص الذي يكتمل مع الآخر و يكتسب قيمته داخل الجماعة.



فالكمال الشخصي حسب غوسدورف لا يتحدد في مجال الوجود الفردي المستقل، بل يتحقق في مجال التعايش و داخل المجموعة البشرية، و انفتاح الذات الفردية على الكون و تقبل الآخر.



المحور الثالث- الشخص بين الدرورة و الحرية



الطرح الإشكالي للمحور



يمكن أن يتعرض وجود الشخص في علاقته بالجماعة أوبالأخرين إلى نوع من الإستلاب أو التشيء بسبب الضرورة التي يفرضها المجتمع على أفراد فالفرد يبدو سجين منضومه من القيم والعلاقة التي تحد من أفاقه وتطلعاته الشخصية .



إذن، و امام هذا الوضع يمكننا الإفصاح عن الطبيعة الإشكلية لهذا المفهوم كالتالي:



هل الشخص ذات حرة فيما يصدر منه من أفعال أم أن هناك حتميات تنقى حريته مشروطة بها ؟



بعبارة أخرى : هل يعني أنه لا مكان للحرية في حياة الشخص ؟أم أن حرية الشخص هي حرية في حدود الذي يختاره؟



* موقف سبينوزا :



-ينتقد سبينوزا التصور العامي الذي يعتبر الانسان حرا في اختياراته،فاعلا وفق مشيئته ،و يتولد هذا الوهم الشائع عن وعي الناس بأفعالهم و رغباتهم وجهلهم بالاسباب الالحقيقية المحددة لأفعالهم.



وكما يقول " فإن الناس يعوون حقا رغباتهم لكنهم يجهلون العلل الخفية التي تدفعهم إلى الرغبة في هذا الموضوع أو ذاك ...." ومن هذا المنطلق ينتقد كل حرية إنسانية خارج عما هو طبيعي .



موقف سيجموند فرويد



ويبدوا أن العلوم النسانية المعاصرة تقدم دلائل إضافية داعمة للتصور الحتمي السنينوزي فالتحليل النفسي الذي يعتبر سيجمون فرويد رائه الأول يرى البناء النفسي للشخصية كنتيجة حتمية لخبرات مرحلت الطفولة .كما أن كثير



من الأنشطة الإنسانية تحركها دوافع الهو الاشعوري ذات الطبعة الجنسية ويقوم هذا التصور على مجموعة من الاسس و المبادئ، يمكن تركزها في:



-إعتبار السنوات الاولى من حيات الفرد الإنساني فيما يتعلق بنموه الوجداني لاحق وبتالي في تكوني شخصيته .



- إفتراض وجود قوة تتحكم في معظم سلوكات الفرد، وهي قوة الاشعور ودالك من خلال ماتمارسه الغرائز والنزوات المكبوتة التي يزج بها في غياب الا شعورمن ضغوط وديناميكية سعي منها الى الإرتواء والإشباع .



-الطابع الجنسي لهذه الدوافع التي تحرك سلوكات الفرد والتي عبر عنها فرويد ب البيدو........



-الهو ويمثل القوة الأصلية ،ويرمز الى مجموع الرغابات والدوافع الطبيعية والمكبوتة التي تتحكم فيها غريزة الحياة ........وغريزة الموت ............



هذا الهو الذي يعبر عنه نيتشه (( وراء أفكار وشعورك يختفي سيد مجهول يريك سبيل ،إسمه الهو في جسمك يسكن، بل هو جسمك، وصوابه أصوب



من صواب حكمتك ))



إضاءة



أما بنسبة لعلماء الإجتماع والأنثربولوجي فإن طبقات مهمة في الشخصية لاتعدو أن تكون سوى إنعكاسات للشخصية الأساسية للمجتمع أو الشخصية الوضيفية لجماعات الإنتماء.



بحيث يمكن القول معى دوركايم أنه كلما تكلم الفرد أوحكم ،فالمجتمع هو الذي يتكلم أو يحكم من خلاله . وإذا كانت التنشئة الاج تزود الفرد بعناصر من ثقافة المجتمع ،فإن هذه الثقافة بدورها حسب التحليل ماركسي ليست سوى إنعكاس للبيئة الحتمية المستقلة عن وعي الذوات ،لأن الوجود المادي هو الذي يحدد الوعي لاالعكس.



إنطلاقا مما سبق يمكن أن نستنتج من هاد الموقف فكرة أساسية مفادها هو إختفاء الإنسان أو موته كما أعلنت البنيوية لأن البنيات النفسية الإجتماعية اللغوية ... هي الت تتفعل وليس الذات أو الفرد.



موقف مونيي



يرى مونيي لأن الشخص هو منبع جميع القيم، وهوى في الأصل حركة نحوى الغير ولا يحقق وجوده مع الأخرين إلا في إطار الفعل المتجدد .



في حرية الشخص في ذاته وهي مشروطة بالوضع الواقعي له ،وهي لاتتحدد إلا عندما يتجه الإنسان نحوى التحرر في إطار التشخص أي خروج بالذات من عزلتها وفرديتها والإتجاه نحوى الشخص عبر الإنفتاح على الأخرين والتواصل معهم وتحمل مصائرهم وألامهم بكل حرية.



إنها إدن حرية منظمة ومطلوبة بنداء الإنسانية في الحرية الحقة حسب مونيي هي الحرية الملتزمة ، لأنها تحترم الغير ومشروطة باحترام القيم و الوصع الواقعي للإنسان ،إلا أن هذا الوضع المشروط لا يعني الخضوع للضرورة .



موقف جان بول سارتر



تعتبر الفلسفة الوجودية لدى سارتر فلسفة الدفاع عن حرية الإختيار المطلق للإنسان مقابل النزعة الموضوعية التي تبرز مشروطية الحرية الإنسانية بظروف والمحددات الوراثية والإجتماعية والإقتصادية واللغوية ...حيث يرى أن وجود الإنسان يسبق ماهيته ،أي أن ماهيته لا تتحدد إلا من خلال وجودها ،وحياته وأفعاله واختيارته وعلاقاته الامتناهية معنى ذالك أنه يشكل ذاته وهويته في ضوء مايختاره لنفسه بوضعه مشروعا .فليس الإنسان كما يتصور ذاته فحسب، بل كما يريد أن يكون في نظر الغير لوصفه شخصا ، ومن هنا نفهم تصريح سارتر بأن الإنسان مشروع في سماء الممكنات محكوم عليه بان يكون حرا وبأن الإنسان ليس شيأ أخر غير مايصنع بنفسه .



دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : التبادل

محاور الدرس




1) التبادل خاصية إنسانية.



2) التبادل و المجتمع.



3) التبادل الرمزي.




إن التبادل ظاهرة إنسانية بامتياز لا يمكن حصرها في إطار مستوى معين؛ فمن الصعب القول إنها ظاهرة اقتصادية فقط, أو اجتماعية فقط, أو انثروبولوجية بالحصر. و الوصف الأليق بها وصفها بأنها ظاهرة إنسانية كما تقدم؛ فلما كان المجال الذي تتم فيه هو المجتمع درسها علماء الاجتماع انطلاقا من هذا الأساس, و باعتبار أن موضوع التبادل عادة ما يكون مواد استهلاكية قابلة للقياس الاقتصادي, درسها علماء الاقتصاد من هذه الناحية, و لما كانت تعبيرا عن ثقافة الإنسان الممارس لها تناولها الأنثروبولوجيون بالبحث و الدراسة. و إذا كان التبادل ظاهرة إنسانية بامتياز و اللغة كذلك, فسيكون من المثير مقاربة التبادل من الجانب اللغوي, مما سيغني معرفتنا بهذا المفهوم.



جاء في معجم "لسان العرب" لـ "ابن منظور": " البَدِيل البَدَل, و بَدَلُ الشيء غَيْرُه (...) بِدْل الشيء و بَدَله و بَدِيله الخَلَف منه, و الجمع أَبدال؛ قال "سيبوبه": " إِنَّ بَدَلك زَيد أَي إِنَّ بَديلك زَيْد" قال: " و يقول الرجل للرجل اذهب معك بفلان فيقول معي رجل بَدَلُه أَي رجل يُغْني غَناءه و يكون في مكانه", و تَبَدَّل الشيءَ و تَبدل به و استبدله و استبدل به كُلُّه اتخذ منه بَدَلاً". إن هذه الدلالات تركز على العناصر المستلزم وجودها في كل تبادل, و هي الشيء المبدل أو المستبدل و المبدل به, هذا بالإضافة إلى الأطراف الفاعلة في التبادل باعتبارهم ذواتا مريدة. و قد جاء في نفس المعجم " و بدّله الله من الخوف أَمْناً, و تبديل الشيء تغييره و إِن لم تأْت ببدل, و استبدل الشيء بغيره و تبدَّله به إِذا أَخذه مكانه, و المبادلة التبادُل, و الأَصل في التبديل تغيير الشيء عن حاله, و الأَصل في الإِبدال جعل شيء مكان شيء آخر كإِبدالك من الواو تاء في تالله, و العرب تقول للذي يبيع كل شيء من المأْكولات بَدَّال (...) و قد جعلت العرب بدَّلت بمعنى أَبدلت, و هو قول الله عز وجل: ﴿أُولئك يبدّل الله سَيِّئاتهم حسنات﴾ أَلا ترى أَنه قد أَزال السيئات و جعل مكانها حسنات ؟ (...) وقال "الليث": "استبدل ثوباً مكان ثوب وأَخاً مكان أَخ ونحو ذلك المبادلة".



من خلال ما سبق يتضح الجانب الإيجابي من التبادل؛ فالإنسان لا يتبادل إلا قصد الحصول على ما هو أحسن و أفضل بالنسبة له, و من ناحية دينية هناك تجارة بين الله و بين الإنسان, و التجارة وجه من وجوه التبادل, فإذا كانت هذه التجارة رابحة بالنسبة للإنسان أبدل الله سيئاته حسنات, هذا مقابل أن يؤمن الإنسان بالله و يتبع سبيله فلا يبدله و لا ينحرف عنه, ليكون بذلك من الأبدال؛ جاء في "لسان العرب": " و الأَبدال قوم من الصالحين بهم يُقيم اللهُ الأَرض, أَربعون في الشام و ثلاثون في سائر البلاد, لا يموت منهم أَحد إِلا قام مكانه آخر, فلذلك سُمُّوا أَبدالاً, و واحد الأَبدال العُبَّاد, بِدْل وبَدَل, و قال "ابن دريد": " الواحد بَدِيل (...)وبَدَّل الشيءَ حَرَّفه, و قوله عز وجل: ﴿و مـا بَـدَّلوا تبديلاً﴾" يستخدم البدل بمعنى البديل, و قد يستخدم بمعنى الوجع؛ ورد في "لسان العرب" قول "ابن منظور": " و البَدَل وَجَع في اليدين و الرجلين, و قيل وجع المفاصل و اليدين و الرجلين بَدِل بالكسر يَبْدَل بَدلاً فهو بَدِلٌ إِذا وَجِع يَديه و رجليه, (...) و يقال للرجل الذي يأْتي بالرأْي السخيف : "هذا رأْي الجَدَّالين و البَدَّالين", و البَدَّال الذي ليس له مال إِلا بقدر ما يشتري به شيئا,ً فإِذا باعه اشترى به بدلاً منه يسمى بَدَّالا".







و هذه الدلالات التي ذكرناها نجد باقي المعاجم تتفق حولها؛ يقول "الزمخشري" في "أساس البلاغة": " بدل الشيء غيره, (...) و استبدلته و بادلته بالسلعة إذ أعطيته شروى ما أخذته منه, و رب بدل شر من بدل و هو وجع في العظام, (...) و هو من الأبدال أي الزهاد".



و في "الصحاح" لـ "الجوهري" نقرأ ما يلي: "البديل البدل, و بدل الشيء غيره, (...) و تبديل الشيء أيضا تغييره و إن لم يأتي ببدل, (...) و المبادلة التبادل, و الأبدال قوم من الصالحين".



و نفس الشيء وارد في معجم "العين" لـ "الخليل ابن أحمد الفراهيدي": "البدل خلف من الشيء, و التبديل التغيير, و استبدلت ثوبا مكان ثوب و أخا مكان أخ و نحو ذلك المبادلة".



أما "الزبيري" في " تاج العروس" فنراه يذكر بعض الدلالات النحوية اللغوية للجذر ب.د.ل, يقول في معجمه: " حروف البدل أربعة عشر حرفا: حروف الزيادة ما خلا السين و الجيم و الدال و الطاء و الصاد و الزاي, يجمعها قولك: أنجدته يوم صال زط, و حروف البدل الشائع في غير إدغام أحد و عشرون حرفا...".



و في "جمهرة اللغة" لـ "إبن دريد": " بادلت الرجل مبادلة و بدالا إذا أعطيته شروى ما تأخذ منه, (...) و البادل لحم الصدر واحدتها بادلة"



بالرغم من أن ظاهرة التبادل قد خضعت كغيرها من الظواهر الاجتماعية للتغير والتطور فأصبحت لها أشكال عديدة وصور مختلفة ودلالات متعددة إلا أن السمة الغالبة كما يرى مارسيل "موس" في التبادلات هي تلك الوظائف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرمزية, و يضيف "موس" من خلال دراسته حول المجتمعات البدائية أن التبادلات قد تبدو أنها تقدم عن تفضل وإرادة بينما هي في حقيقة الأمر ليست اختيارية بل جبرية ولغرض معين ولذلك أطلق عليها موس التبادلات الإلزامية{[1]}.



إن التبادلات الإلزامية هي التي تأخذ عنصر الإلزام والإجبار بمعنى أنه يتحتم على الشخص يردها بأخرى مماثلة أو بما يساويها في القيمة او أكبر منها, و تأخذ ظاهرة الإلزام في المجتمعات البدائية ثلاث مظاهر : العطاء والأخذ والرد. أي الالتزام بتقديم التبادلات {الهدية كنمودج}والالتزام بقبولها والالتزام بردها وهذه الثلاث مظاهر مرتبطة بشكل كبير في المجتمعات البدائية .



ففي جزر فيجي جنوب ميلانيزيا يوجد نظام للتبادل يسمى ألكيري كيري حيث خلاله لا يمكن رفض أي شيء من أحد فيقع تبادل الهدايا بين الأسرتين أثناء الزواج . أما مجتمعات الهنود الحمر في الشمال الغربي لأمريكا فيلتزم زعماء القبائل بتقديم تبادلتهم (روح البوتلاش) عن الأبناء والبنات وأرواحهم وأرواح الأسلاف التي يجب إرضاؤها حتى تبارك زعامة الرجل. وكذلك الالتزام بقبول التبادلات وإلا يكون ذلك دليل على الخوف من عدم القدرة على الرد لاحقاً . وقد يرفض الزعيم قبول الهبة إمعاناً في إظهار مكانته السامية على أساس أنه فوق قبول هبة من أدنى. فالالتزام هنا يتضمن إقامة الحفل الذي يدعى إليه أثرياء القوم ويوفر لهم الطعام ويقدم لهم الهبات. ويتضمن أيضاً الالتزام برد الدعوة وذلك عن طريق إقامة حفل لاحق{[2]}.



وكذلك تتبع الهبات التي يتبادلها الميلانيزيون في الكولا نفس الأسلوب إذ أنها إلزامية لأن الشركاء يتبادلون الهبات والزيارات والخدمات والحماية الأمنية والسحر ويتوقعون من شركائهم أن يقوموا بنفس الشيء عندما يذهبون إليهم في جزرهم. وهناك علاقة شبيهة بالكولا على أساسها تقوم مبادلات منتظمة وجبرية بين الشركاء من قبائل زراعية من جهة وقبائل بحرية من جهة أخرى . فالشريك الفلاح يأتي ليضع منتجاته أمام شباك شريكه الصياد. و على هذا الأخير بعد أن يقوم بصيد وفير أن يذهب إلى القرية ليقدم لشريكه الفلاح مقابل هديته محصول صيده.



و نستطيع أن نرى من الأمثلة السابقة أن التبادلات في المجتمعات البدائية نادراً ما يكون اختياراً وحتى لو بدأ لنا أن هذه الهدايا تعطى لوجه الهبة والعطاء فأنها تعطى في الحقيقة لوجود صفة الإلزامية فيها والتي لا يستطيع أي فرد في المجتمع البدائي أن ينكرها وإلا يتهم بالخوف من الرد . وقد بلغ الأمر في بعض المجتمعات إلى حد طرد المرأة التي لم يحسن أقاربها العطية رداً عما تلقوه في عملية المصاهرة.



ويرى موس أن التبادلات مهما كان نوعها أو شكلها ومهما كانت نوعية المناسبات التي تقدم فيها وحتى عندما لا يكون الذي توهب إليه في حاجة مادية إليها إنما تتضمن بالضرورة نوعاً من الالتزام تفرضه على المعطى له وتتطلب منه أن يقوم بردها إما بما يساويها في القيمة أو أكبر منها في القيمة . ولقد حاول موس أن يتوصل إلى تفسير علمي لخاصية الجبر والإلزام في التبادلات. وفهم القواعد والقوانين التي تحكم هذه الظاهرة وتجعل منها شيئاً جبرياً وليس اختيارياً . وأخيراً توصل هذا الانثروبولوجي إلى أن هذه الصفة الإلزامية في تبادل الهدايا في المجتمعات البدائية ترجع إلى عدة عوامل نذكر منها:



1 – أن الشيء المعطى كائن له روح وتكمن فيه قوة تحركه وهو مرتبط بصاحبه الأول، فإذا أعطى فإن روح الشيء نفسه تضمن رجوعه أو رجوع ما يعادل قيمته إلى مالكه الأول.



2 – وجوب العطاء ووجوب الأخذ ووجوب الرد فوجوب العطاء مرجعه أن الشيء بما أنه متداخل مع صاحبه ومتكامل معه فإن إعطاءه يعتبر تعبيراً عن رغبته في التقرب إلى الشخص المعطى له والتحالف معه . ووجوب أخذ الشيء المقدم هو بمثابة تعبير عن قبول هذه المحالفة والمشاركة والقرابة التي عرضها المعطي . والامتناع عن العطاء والأخذ معناه رفض المشاركة والتحالف وذلك في حكم إعلان الحرب الخاصة أو العامة .



3 – مفهوم القربان والصلة بينه وبين الهبات ، فالقربان هو الهبة إلى الناس لوجه الآلهة والطبيعة وقد يكون أحياناً لوجه الآلهة والأرواح كثمن للحصول على الأمان والسلام{[3]} فالاعتقاد عند الكثير من المجتمعات البدائية أن التبادلات{الهبة كمثال} تكمن فيها قوة روحية تتسبب في رجوعها إلى معطيها الأصلي وهذه هي إحدى المفاهيم التي حاول الأنثروبولوجيين دراستها وبحثها . والسبب الآخر هو أن إعطاء الهبة وقبولها وردها يعني الرضا بقبول العلاقة مع المتبادل معه والدخول في أحلاف وصداقة أو قرابة . والرفض يعني علنياً عدم قبول هذه الصداقة أو التحالف. وهذا ما يجعل من تبادل الهبات شيئاً مقدساً وإلزامياً في المجتمعات البدائية . ففي جزر التروبرياند يدخل سكان الجزر في تحالفات سياسية وتفرض عليهم عملية التبادل المستمرة عدداً من الحقوق والواجبات والالتزامات المتبادلة وبذلك تخلق نوعاً من العلاقات الواسعة الممتدة بين القبائل المختلفة . وبما أن التبادلات تعتبر ظاهرة اجتماعية إذاً لابد أن لها من وظائف وسنحاول أن نعرض لبعضها هنا.



الوظائف الانتربولوجية للتبادلات{الهبة كنموذج}:



1 –وظائف لها علاقة بالشرف والسمعة :



إن التبادلات{الهبة}ترتبط في تقديمها وفي قبولها بنوع من الشرف والسمعة وذيوع الصيت. وذلك كما في نظام " البوتلاتش" السائد في عدد من قبائل الهنود الحمر الذي يرتكز في أساسه على أن يقوم الشخص من ذوي المكانة والمركز الاجتماعي بتوزيع نوع من الأغطية على أقاربه الذين لا يلبثون بعد انقضاء فترة من الزمن أن يردوا إليه هذه الأغطية بعد أن يضيفوا إليها أعداد أخرى كبيرة قد تصل إلى أضعاف ما أخذوه منه في الأصل . ويهدف ذلك إلى اكتساب المزيد من الشرف والسمعة الطيبة وذيوع الصيت عن طريق المدح والإعطاء والمبالغة في الرد ويلجأ الشخص إلى إحراق الكثير من ممتلكاته وإحراق هذه الأغطية ذات القيمة الاجتماعية العالية ليدلل على إستها نته بالأشياء المادية التي تؤلف ثروة الرجل العادي. و كلما أهدر الشخص هذه السلع المادية وقام بإحراقها أو إتلافها كلما ارتفعت مكانته في المجتمع . ويتضح ذلك أيضاً عند مجتمع " التيف " من خلال تبادلهم الهدايا وإزالتها عن طريق استهلاكها بالاستعمال الشخصي أو في إقامة الحفلات بحيث لا تعود تعتبر عنصراً من عناصر التبادل . فإن عملية الإزالة بهذه الطريقة تؤدي إلى رفع مكانة صاحبها



2 –وظائف توطيد العلاقات الاجتماعية :



إن في تبادل الهبات توطيد للعلاقات الاجتماعية حيث في مجتمع " التيف " قد يضطر الفرد أحياناً إلى أن يستبدل بعض السلع ذات الفئة الاجتماعية المنخفضة بسلع ذات قيمة اجتماعية عالية تحت وطأة الظروف الخاصة التي يعيش فيها وبخاصة فيما يتعلق بالتزاماته نحو أقاربه أو حاجة هؤلاء الأقارب الماسة إلى تلك السلع رقم أنها لا تتمتع بقيمة مساوية لتلك السلع التي اضطر للنزول عنها . وأن المجتمع ينظر بعين الاعتبار إلى الشخص الذي يعمل على تحويل ثروته من السلع الدنيا إلى السلع ذات القيمة الاجتماعية . ومجتمع التيف يحتقرون الشخص الذي تنحصر كل ممتلكاته وكل ثروته في السلع الخاصة بالقوت والمعيشة والسبب في ذلك يرون أنه عجز في الشخص عن أن يحقق مثل ذلك العمل الذي يقدره المجتمع.



ويسلك التبادل في نظام " الكولا " مسلك الأصدقاء إلا أن الحقوق والواجبات والالتزامات المفروضة على أطراف التبادل تتفاوت تبعاً للمسافة التي تفصل الجزر والقرى عن بعضها البعض وكذلك تبعاً للمركز الذي يشغله الفرد . فإن الرجل العادي يدخل في علاقات على مقربة منه أي مع أقربائه وأصدقائه بينما الرجل الغني تتشعب علاقاته إلى حد كبير نظراً لمكانته الاجتماعية العالية . وكأن كل طرف من أطراف التبادل في نظام الكولا الذي يعيشون في جزر متفرقة تفصل بينهما البحار يعتبرون حلفاء يناصرون بعضهم البعض في أوقات الشدائد إلى جانب القيام بواجبات الضيافة . بالإضافة إلى أن نمط التبادل نفسه كثيراً ما يكون دليلاً على وجود علاقة اجتماعية من نوع معين بالذات مثلاً في تبادل الهبات .



3 –وظائف اقتصادية :



إن نظام التبادل الشعائري يتبعه مقايضة لسلع تجارية كنشاط ثانوي . ويجري التبادل في الكولا بالسلع القيمة وهي العقود والأساور المصنوعة من المحار بين شركاء الكولا . وعلى الرغم من أن هذا النظام يعتبر نظام شعائري بالدرجة الأولى ولا تحصل فيه المساومة إلا أنه يوجد فيه تبادل لسلع تجارية ثانوية .



فحينما يشرع أحد أفراد الحلقة في زيارة شركائه في الاتجاه المقابل، فإنه يحمل قاربه ما استطاع من أطعمة ومصنوعات مادية منتجة محلياً لبيعها في هذه الرحلة. وبعد انتهاء الإجراءات الصورية المتعلقة بهدايا الكولا فإن هذه السلع تخضع للمساومة وتباع للآخرين بحيث يكون الطرفان المتاجران على درجة من الرضا بصفقاتهما.



4 –وظائف لها علاقة بالمركز الاجتماعي :



يرتبط تبادل الهبات بالمركز الاجتماعي في الكثير من المجتمعات . ففي مجتمع التيف يتبع الأشخاص عدة طرق للحصول على المزيد من المكانة الاجتماعية . فقد يلجأ ون إلى إزالة السلع وتدميرها أو تحويلها إلى أشكال أخرى بحيث لا تصبح سلعاً من سلع التبادل . فقضبان النحاس الأصفر يمكن تحويلها إلى أنواع أخرى من الحلي ، والأبقار والماشية يمكن ذبحها في المناسبات المختلفة ، أما القماش الأبيض الذي يقيم له التيف وزناً كبيراً فيستهلك بالاستعمال الشخصي . وقد اعتقد بعض الانتربولوجيون أن الأفراد في المجتمعات البدائية يلجأ ون إلى تجميع السلع للحصول على المزيد من المكانة الاجتماعية ولكن - حسب موس- هذا اعتقاد خاطئ . فالرجل البدائي يسعى للحصول على السلع ولكنه لا يحتفظ بها لنفسه بل يتخلص منها بعدة طرق كما ذكرنا . ومن هذه الطرق الإزالة والتدمير والتحويل . وكلما ارتفعت قيمة الهبات المقدمة كلما ارتفعت مكانة الشخص الاجتماعية ، وتزيد أيضاً مكانة الشخص الاجتماعية بزيادة كمية الثروة الموزعة في المناسبة وليس في ادخارها والمحافظة{[4]}.



مما سبق يتضح أن التبادلات بمختلف أشكالها{الهبة،البوتلاش،الكولا...}تؤدي وظائف مختلفة في المجتمعات البدائية،لكن هده الوظائف لا يمكن حصرها في المجتمعات البدائية ،وقد أدى اختلاف وتنوع أشكال التبادلات في المجتمعات المعاصرة ،إلى تعدد وظائفها داخل المجتمع فإضافة إلى الوظائف السابقة تداخلت عناصر أخرى ومنها البعد الرمزي الذي أصبح يشكله التبادل.



رؤية أنتربولوجية لقداسة التبادل:



إن التبادل الذي يتم بين أفراد المجتمع تصاحبه دائماً بعض الطقوس والشعائر. فهذه الطقوس تعمل على حفظ حقوق أطراف العلاقة في الأخذ والرد ولذلك فإنها تحقق الاستقرار وتدعم أواصر العلاقات داخل مجتمع القبيلة. بالإضافة إلى أن هذا النظام الشعائري يهدف إلى اكتساب المزيد من الشرف والسمعة الطيبة وذيوع الصيت عن طريق المنح والإعطاء والمبالغة في الرد والدليل على ذلك أن الشخص كثيراً ما يلجأ إلى إحراق الأغطية ذات القيمة الاجتماعية العالية وأحياناً أخرى قد يحرق بعض ممتلكاته ليدلل على استهانته بالأشياء المادية ويدعو غيره من الأشخاص الذي يحضرون حفل البوتلاتش إلى مجاراته في أعماله .



وكنموذج لقداسة التبادلات نأخذ نظام الكولا الذي هو نظام شعائري تتبعه بعض القبائل المالينزيه التي تعيش في منطقة جزر واحدة تنتشر على شكل حلقة وتكون دائرة مغلقة للتبادل. وفي نطاق هذه الدائرة يتبادل الملاينزيون مجموعتين من السلع . مجموعة السولافا " المحار " ومجموعة الموالي " إسورة " وتسير السولافا في اتجاه عقارب الساعة بينما تسير الموالي في الاتجاه المعاكس ويتم تبادل هاتين السلعتين في كل نقطة من نقاط الدائرة ويتبع ذلك حفلات ومراسيم وطقوس وسحر . ويقوم الزائر وخاصة إذا كان من ذوي المكانة الرفيعة بتقديم هداياه من النقود مثلا للشخص الذي اعتاد التبادل معه ويأخذ معه في مقابل ذلك بعض الأساور التي تهدي إليه نظير هبته في هذا الحفل الرسمي الكبير الذي أقامه أهل الجزيرة . والمشتركون في عملية التبادل هذه يستلمون الأشياء لفترة من الزمن ولكنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا بها إلى الأبد لأنه يتوجب عليهم تمريرها في خط السير المرسوم لها كما تجري العادة .



وقد يذهب الرجال في رحلات الكولا خالي الوفاض لا يحملون أي هدايا ليقدموها إلى شركائهم بل ليقدموا بذهابهم تذكرة بأن عليهم دين شرف قد آن أوان سداده . يتحقق النجاح في الكولا كما يظن من يمارسونها بإجراء طقوس سحرية لتهدئة الشريك وجعله يشعر بأنه كريم يستطيع أن ينتظر . والأسس التي يقوم عليها هذا التبادل المؤجل هو أن كل هدية تقدم يجب أن تساوي الهدية المستلمة . وهذا واجب مقدم الهدية فهو الذي يجري التقديرات .



ويحدث أحيانا أن يتأخر الشخص في رد الهبة المناسبة ولذلك يتوجب عليه أن يقدم بعض الهدايا الصغيرة من حين لآخر حتى تتاح له فرصة تقديم الهدية المناسبة . والملفت فيها ما يدل على تفكير الناس في أمور الربح والكسب والمساومة . ومع أن الكولا يصحبه أحيانا نظام مقايضة تجاري ثانوي لسلع تجارية ضرورية وكذلك يصحبه تبادل هدايا وخدمات إلا أن هذا التبادل التجاري ليس هو الأساس الذي تقوم عليه الكولا .



ويميز الأهالي بين الكولا والمقايضة ولذلك يعيبون احياناً على الشخص طريقته في تبادل الكولا فيقولون أنه " يقوم بالكولا كما لو كان يقوم بعملية مقايضة " فهذه العملية ليست عملية تجارية تقوم على المساومة أو إلى حساب أو تقدير قيمة الهدية . والمبدأ الآخر هو أن العرف والتقاليد تحتم على الرجل الذي يقبل هبة من شخص آخر أن يرد إلى المهاب له ما يقابل هبته ويرى مالينوفكسي أن شريك الكولا يشتري المجد كما يشتري الصداقة فشركاؤه الذين يعيشون في جزر نائية يستطيع أن يعتبرهم حلفاء ويتوقع منهم الحماية . فالمكاسب الاجتماعية بما فيها الحصول على الشهرة والصيت هي الاساس في هذه العملية . فالتبادلات في هذه الحالة يؤكد الروابط الاجتماعية والهدايا لا تعطي اعتباطاً وانما هي تقدم لمقابلة بعض الالتزامات الاجتماعية المحددة .



ونجد ذلك دراسة بول بوهانان . والتيف قبائل تعيش في وسط وادي بنيو في نيجيريا الشمالية وتعتمد هذه القبيلة على محصولات القوت والمعيشة من خلال ممارسة الزراعة. ولكنهم يستكملون معظم احتياجاتهم الأخرى من عدد كبير من الأسواق المجاورة التي تعرض فيها مختلف السلع،بحيث تأخذ هده التبادلات بعد ودلالة ومقدسة،من المفروض والواجب على المشتغلين بالزراعة تقديم محصلهم وفي اعتقادهم أنه يتقربون إلى الآلهة،ونجد أصحاب المواشي نجد لهم نفس الاعتقاد ،الشيء الدي يضفي على التبادلات صفة القداسة.



ما يفهم من لفظ التبادل في المجال الفلسفي يختلف باختلاف الأنساق الفلسفية و السياق التاريخي الذي جاءت فيه, و آية ذلك أن كل مفهوم في الفلسفة يحمل طابع الفلسفة التي أنتجته و لا يفهم المقصود منه إلا بإرجاعه إلى السياق التاريخي و المذهب الذي ورد فيه و على هذا الأساس نجد "جبراييل مارسيل" يؤكد أن التبادل خاصية إنسانية تؤسس للوجود الأصيل. فالوجود الحق لا يقوم إلا على نوع من التبادل بين الأنا و الآخر, بيد أن التبادل هنا لا يعني النظر إلى الآخر بوصفه موضوعا أو أداة في خدمة الأهداف, كما لا يعني النظر إليه على أنه غاية في ذاته أو أن له قيمته الخاصة به و التي لا تعادل قيمتي, بل إن التبادل هنا يعني الحوار مع الآخرين و التواصل معهم, كما يعني المشاركة و المحبة و عن طريقه ندرك شخصيتنا و نؤسس لوجودنا الحقيقي. كما يؤكد "جبراييل مارسيل" أن حدود التبادل لا تقف عند حوار الأنا مع الغير بل يمتد إلى تبادل أرقى يجمع بين الأنا و الغير.



و هذا "ماركس" كارل يؤكد أن المجتمع الإنساني يقوم على أساس تبادل المنتجات؛ لهذا يعتبر التبادل المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه كل نظام اجتماعي, ذاك أن الإنسان تكون لديه حاجات أساسية ينبغي إشباعها لحفظ بقائه, لهذا يتجه نحو الطبيعة لتحقيقها, و من هنا الدخول في علاقة جدلية مع الطبيعة. و لكن ضعفه و ضغط الحاجة يدفعه إلى الدخول في نوع من التبادل الاجتماعي مع الغير و القائم على التفاعل بين الطبقات الاجتماعية قصد استغلال الطبيعة. إلا أن انقسام المجتمع إلى طبقات ( طبقة مالكة لوسائل الإنتاج و طبقة عاملة) يجعل التبادل قائما على المنفعة و الاستغلال. و تختلف مظاهر التبادل باختلاف أنماط الإنتاج عبر التاريخ, لكن معظمها يعبر عن تفاعل قائم على الصراع و الاستغلال و المنفعة:



- نمط الإنتاج القديم : التبادل بين الأسياد و العبيد



- نمط الإنتاج الإقطاعي: التبادل بين العسكريين و الأقنان.



- نمط الإنتاج الرأسمالي: التبادل بين أصحاب وسائل الإنتاج و العمال.



و إذا عدنا إلى الفلسفة الحديثة "توماس هوبز" ينظر للتبادل على أنه خاصية إنسانية لم تتمظهر إلا عند الاجتماع البشري وفق عقد اجتماعي ينظم طبيعة التفاعل و التواصل بين أفراد المجتمع الذين كانوا سابقا يعيشون حالة حرب فيما بينهم منعت قيام أي شكل من أشكال التواصل و الحوار و التفاعل.



إذا كنا نعتبر أن التبادل خاصية إنسانية بامتياز, فإن الإنسان بالفعل كائن تبادلي لأنه يمتلك أعقد أشكال التبادل, ليتجاوز بذلك التبادل المادي و الإقتصادي إلى التبادل الرمزي الذي يتجلى بالأساس في تبادل التمثلات و الأفكار و التصورات و المواقف و السلوكات, و بالتالي يمكننا القول إن التبادل سمة سيكولوجية اجتماعية و ثقافية.



في سياق ذلك أغنت السيكولوجية مفهوم التبادل و ساهمت في توضيحه بالوصف و التحليل الدقيقين لمتغيراته المعرفية الوجدانية و الإجتماعية معتبرة إياه خاصية إنسانية بامتياز ينبغي تطويرها و تفعيلها لدى الأفراد و الجماعات. و تأتي أهمية المقاربة السيكولوجية للتبادل من كون هذا الأخير لا يمكن دراسته بمعزل عن النشاط المعرفي و الوجداني و اللغوي و التواصلي و باستقلال عن ميادين مثل: الإدراك, الفهم, الذاكرة, حل المشاكل, المواقف الذاتية, الإنفعالات؛ فالتبادل في أبعاده اللغوية و التواصلية بين الأفراد هو سلوك ناتج عن التربية و التنشئة الاجتماعية يترك آثارا على نفسية الأفراد.



إن التبادل في أبعاده اللغوية و التواصلية يقوم بوظيفتين أساسيتين:



1) الوظيفة الإعلامية الإخبارية و يتجلى ذلك في تبادل المحتويات التي تكون عبارة عن وقائع و أحداث و أفكار و معارف تتعلق بالعالم الفيزيائي و الإجتماعي و الذي يجب على الفرد أن يتعلمه هو كيف يستوعبه و يتحكم فيه.



2) وظيفة ممارسة المراقبة؛و يتجلى ذلك في سلوك الشخص للمعنى المتبادل الرمزي و التواصلي و يمثل هذا الطلبات, الاقتراحات, الأوامر, البرهنة, التشجيعات و التأثيرات الوجدانية التي يكتسبها الطفل و يستعملها للتأثير على محيطه.



إن التبادل نفسيا هو مجموعة من التأثيرات المتبادلة على مستوى الحالات الشعورية و اللاشعورية للشركاء داخل نفس المحيط الاجتماعي. و من وجهة نظر علم النفس الإجتماعي فإن التبادل الرمزي و الإجتماعي للأفكار و المعارف و التمثيلات و المواقف هو بالأساس تفاعل بين عدة شركاء تحدده قواعد الوضعية و السياق. فالتبادل إذن صيرورة ديناميكية للتأثير و التفاعل المتبادلين.



أما التبادل كمفهوم سيكولوجي في نظرية التحليل النفسي عند "سيغومند فرويد" فإنه يأخذ بعدا مهما بحيث يعتبر محوريا في الشخصية و ذلك تبعا لمنطق التبادل الذي يحدث بين الجوانب الفطرية و البيولوجية مع البيئة الاجتماعية إنها علاقة شد و جذب, ومن خلال هذا الصراع و التبادل و التفاعل مع البيئة تتكون الشخصية و تنمو و يتحدد شكلها.



و حسب النظرية السلوكية و خصوصا مع "واطسون" يعتبر التعلم هو الإطار و المجال الذي يحدد التبادل الإنساني في بعده السلوكي بحيث أن تبادل السلوكيات بين الناس هو عبارة عن تبادل لمجموعة من المثيرات و الاستجابات فيما بينهم؛ فالتبادل في هذا السياق يأخذ صبغة انفعالية و بالتالي فالفرد في هذا العدد على أن التبادل بهذا المعنى هو نشاط آلي و ظاهري يمكن تحليله إلى و حدات بسيطة هي الاستجابات الأولية التي ترتبط بمثيرات محددة للكشف عما بين هذه الوحدات من علاقات, و دراسة القوانين التي تتحكم في هذا السلوك.







[1] -مارسيل موس،مرجع سابق ص77



[2]-ايفانزبريتشارد "الانتربولوجا الاجتماعية"ترجمة أحمد أبوزيد،المنشورات الجامعية المصرية،القاهرة1976 ص56



[3] - مارسل موس"بحث في الهبة"مرجع سابق،ص87.



-[4] ايفا نز بريتشارد"الانتربولوجيا الاجتماعية"مرجع سابق،ص64



دروس فلسفيه لتلاميذ البكالوريا : الشغل

محاور الدرس




1) الشغل متعة؟



2) الشغل خاصية إنسانية.



3) الشغل بين الحرية و الاستلاب.




الوضعـــــــــية المشكلة







يحكى أنه كان في إحدى الحقول ، صرار يهوى اللهو والمرح ، حيث كان يقضي كل الصيف في الغناء ، وحين حل الشتاء ، غطت الثلوج الحقل ، وقضى البرد القارس غطى كل الزرع ، ووجد الصرار نفسه بدون زاد.



أخذ الصرار يتضور جوعا ، وفجأة خطر بباله ان يتوسل النملة فلربما يجد لديها ما يسد رمقه.



طرق الصرار باب النملة ، ولما فتحت له قال:



- ألا أقرضتني بعض الحبوب تحميني وعكاء الجوع ، وأنا أعدك بردها في الموسم المقبل.



أجابت النملة:



- أليس لديك زاد؟



الصرار:



- لا



النملة:



- وما كنت تفعل في فصل الصيف إذن ، عندما كان الكل يتزود للشتاء؟



الصرار:



- كنت اغني ...



النملة:



- كم أنا سعيدة بك ، قضيت الصيف كله في الغناء , ولما لا تقضي الشتاء في الرقص.



2 - التـــــــــــــعليمات







· من هم أبطال هذه القصة؟



· ماهو موضوع الحوار؟



· ماهو مصدر هذا الطعام؟



· كيف يمكن الحصول عليه من الطبيعة؟



· بما أن القصة اقتصرت على حيوانات ، فهل الحيوانات تشتغل؟











3 - استثمار النتائج وربطها بدرس الشغل



محور



الشغل خاصية إنسانية







تعــــــريف الشــــــغل







غالبا ما يفيد الشغل في التمثل الشائع العمل العضلي والجهد الجسدي الذي بموجبه يحول الإنسان الطبيعة. وهكذا يرتبط مفهوم الشغل في التمثل الشائع بالعمل اليدوي، ويقصي العمل الفكري كفاعلية يمكن اعتبارها شغلا. وفي التمثل المعجمي العربي، فإن الشغل يفيد ـ إضافة إلى العمل اليدوي ـ شغل حيز مكاني، فيكون بهذا ضد الفراغ ؛ حيث نقول مثلا : "هذه الطاولة تشغل هذا المكان". ويفيد الشغل ـ كذلك ـ العمل الفكري خصوصا حينما يصبح الفرد مهووسا بفكرة معينة، فيقال مثلا : "هذه الفكرة تشغل ذهن هذا الشخص". بل إن كلمة صناعة في اللغة العربية تنتقل من مستوى الحرفة لتشمل العمل الفكري، فيقال مثلا : صناعة الأدب، صناعة الحكمة ...الخ.



وفي التمثل المعجمي الفرنسي، فإن الشغل le travail يفيد كلا من العمل الفكري واليدوي. وإذا انتقلنا إلى مجال الفلسفة، فإن الآراء المتداولة حول ظاهرة الشغل تنقسم إجمالا إلى : فلسفات رافضة للشغل باعتباره إقصاء لماهية الإنسان، وفلسفات تعتبر الشغل أساس كل قيمة إنسانية، وأخيرا فلسفات تنتقد الشغل دون أن تقصيه من الظواهر الإنسانية. انطلاقا من هذا تتولد الإشكالات التالية : هل الشغل خاصية إنسانية أم حيوانية ؟ ماهي الأثار التي خلفها تقسيم الشغل على حياة الإنسان ؟ هل الشغل فاعلية تعمل على تحرير الإنسان وتحقيق ذاته ؟ أم أنه يعمل ـ على العكس ـ على استعباد الإنسان واستلابه؟







2 ـ تــــــمهيد



إن الشغل ظاهرة مرتبطة منذ القديم بتحقيق الحاجات الضرورية في حياة الإنسان. ولكن المجتمعات القديمة كانت تميز بين عمل وآخر ؛ فاليونان ـ مثلا ـ كانوا يستهجنون العمل اليدوي.. هكذا كان أفلاطون وأرسطوينظران إلى الشغل ويربطانه بالعمل اليدوي، ومن ثمة فهو عمل لا يصلح إلا للرعاع والعبيد. إن العمل اليدوي، في نظر فلاسفة اليونان، يتنافى مع ماهية الإنسان، لأن الإنسان "حيوان عاقل"، ومن ثمة تكون الخصوصية الأساسية للإنسان هي التفكير. هكذا يكون العبد مجردا من خصوصياته الإنسانية، فأصبح ـ كما يرى أرسطو ـ مجرد آلة، لأنه يعوض الآلة التي يحتاج إليها الإنسان.







1- الــــــشغل خاصية أنـسانية:



موقف كارل ماركس:



إن الأطروحة الماركسية، تنظر إلى الشغل من وجهين : فالشغل هو مجهود جسمي وقوة فزيائية يسخر بهما الإنسان الطبيعة لنفسه، حيث يقول ماركس : "إن العمل الحي يأخذ الأشياء ويبعثها من بين الأموات" ؛ كما أن الشغل فاعلية (أو نشاط) مرتبطة بماهية الإنسان، فبواسطته ينمي الإنسان مواهبه وملكاته وقدراته.



وانطلاقا من هذا يمكن طرح الإشكال التالي : هل يمكن اعتبار إنجازات بعض الحيوانات شغلا ؟ إذا تأملنا ما تقوم به بعض الكائنات الحية، يبدو كأنها تشتغل، وقد نجدها تضاهي في مهاراتها أمهر الصناع الآدميين، ومع ذلك يرى ماركس أنه لا يمكن اعتبار إنجازاتها شغلا، لأن الفعل الذي يصدر عنها مجرد سلوك آلي غريزي ونمطي. فالشغل ـ إذن ـ ظاهرة إنسانية لارتباطه بالوعي. بمعنى أن الشغل معاناة فكرية، هو تصميم وتخطيط وتدبير، هو إبداع وخلق وابتكار، هو سلوك غائي يبحث عن الأفضل، هو شعور بالمتعة وتحقيق للذات. فهو ليس نشاطا معزولا، وإنما هو ـ كما قال ماركس ـ مسار تتفاعل فيه ثلاثة مكونات : الشغل ذاته كفعل للإنتاج، والمادة التي هي موضوع التحويل، والأداة التي بواسطتها يحدث فعل الإنتاج... وكنتيجة لهذا، يرى الماركسيون أن الشغل خاصية إنسانية بامتياز.







موقف نيتشه:



ويقف نيتشه موقف المستغرب من أمثال هذه التحاليل لأنه يرى أن الاستغلال أمر طبيعي، لأن إرادة القوة كانت دائما هي المتحكمة في أعناق الناس. فالإنسان بطبعه يعمل على هيمنة "أخلاق القوة" (أخلاق السادة) ومن الطوباوية أن نفكر في مجتمع ينعدم فيه الاستلاب لأن المجتمعات لا يمكن أن تنسلخ عن أشكال الاستغلال. إن المساواة وأفكار التحرر لا تكون إلا بين الأقوياء الأنداد. وتجدر الإشارة إلى أن نيتشه يرفض العمل اليدوي لأنه يعتبر شيئا يتنافى مع القيم الأرستقراطية التي تعبر عن عدم الحاجة إلى العمل، وضرورة الانصراف إلى العمل الفكري، والمطالعة، وكتابة الرسائل الطويلة، وهذا كله من شيم السادة الأقوياء. إلا أن الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو : ألا يمكن للإنسان أن يتحرر من خلال الشغل وبواسطته ومهما كانت طبيعة العمل الذي يمارسه؟







2- تقسيـــــــــم الشغل:



موقف ادم سميث:



لقد أبانت الثورة الصناعية عن قيمة العمل والتصنيع. لذا نجد آدم سميث A. Smith يؤكد أن الشغل هو أساس كل قيمة تبادلية، فقد تبين بعد تقسيم الشغل، أن الفرد أصبح في حاجة إلى غيره لينتج له ما لا يستطيع هو إنتاجه. كما أن قيمة المنتوج تزداد بكمية المجهود المبذول لإنتاجه. فالشغل إذن مثل العملة، فهو الثمن الذي يدفعه الإنسان ليقتني الأشياء أو ليعطيها قيمة.



موقف إيميل دوركايم:



إن الشغل حسب إيميل دوركايم نابع من الأساس من تقسيم العمل داخل مجتمع ما والذي يمكن أن يأخد شكلين أساسيين :



· تقسيم العمل داخل مجتمع تحكمه العادات والتقاليد ، حيث يكون الفرد ملزما بتطبيق تعليمات الجماعة وأي خروج عن تلك القواعد يتعرض للنبد والنفي ويسمى التضامن الآلي ، لكن هذا النوع من التقسيم يجعل المجتمع غير قادر على تحقيق التقدم ، لأنه يرتكز على ماهو أخلاقي أكثر مما هو وظيفي ، فتسود فيه الكثافة الروحية.



· تقسيم العمل داخل مجتمع يكون فيه الأفراد غير مرتبطين بالجماعة ولكن يبقى في حاجة إليهم كما هم في حاجة إليه ويسمى بالتضامن العضوي ، وهذا النوع من التقسيم يحقق فيه المجتمع تقدما كبيرا، لأن الأفراد فيه تجمعهم علاقات وظيفية بعيدا عن ماهو روحي ، وهذا ماجعل إيميل دوركايم يرى أن هذا النوع تكون الكثافة المادية فيه مرتفعة جدا ، ويكون أكثر تنظيما وأكثر وصولا إلى تحقيق التقدم.







3- الشغل بين الإستيلاب والتحرر



موقف فريدريك إنجلز:



ترى الماركسية أن الشغل تحول (مع ظهور المجتمعات الصناعية) إلى ظاهرة تعمل على استلاب الإنسان بدل أن تحرره، حيث يؤكد انجلز Engels أن الشغل أصبح عملا إجباريا يعمل على إذلال الإنسان وإفقاده كرامته. وكان ذلك نتيجة لتقسيم العمل، حيث أصبح الفرد يشتغل مقابل شيء تافه (الأجرة) لا تربطه به أية علاقة إنسانية. بل إن تبسيط الشغل أدى إلى اختزاله في حركة تافهة يكررها العامل دون توقف ؛ فتحول الشغل إلى عمل رتيب ومخبل، يعمل على تشييء الإنسان والانحدار به إلى مصاف الحيوان. وهذا الإحساس بالاستلاب يظهر ـ كما يقول ماركس ـ من خلال نفور العامل من الشغل حيث يحس داخله بالشقاء والتذمر، وانهيار نفسي وإرهاق يمنعه من تطوير طاقاته وتحقيق ذاته. وتكون النتيجة الحتمية لهذا وضع عكسي : بدل أن يحس الإنسان بكينونته داخل الشغل، أصبح يبحث عن ذاته في أوقات الفراغ في أعمال تعتبر مجرد وظائف حيوانية كالأكل، والنوم، والإنجاب. إن الاستلاب في نظر الماركسية ليس إلا نتيجة حتمية للاستغلال الناجم بدوره عن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.







موقف جون بول سارتر



يرى سارتر أن تقسيم الشغل على الطريقة التايلورية أدى إلى استلاب الإنسان. فمن المعروف أن النزعة التايلورية ترى أن المردودية في الاقتصاد لا تقوم إلا على الزيادة في الإنتاجية بأقل من الجهد والتكاليف، وفي أسرع وقت ممكن. ومن ثمة يكون العمل المتسلسل القائم على نظام الآلية النموذج المثالي لتحقيق الأهداف الاقتصادية، لكن هذا ـ في اعتقاد سارترـ لا يمنع العامل من التحرر من أشكال الاستلاب من خلال جدلية العبد والسيد، التي أبان هيغل - من خلالها - كيف أن العبد يستطيع أن يحقق ذاته بواسطة الشغل ويجبر السيد بالتالي على الاعتراف به. فلما أصبح العبد وسيطا بين السيد والطبيعة مكنه ذلك من السيطرة على الطبيعة ومن تبعية السيد له، وهذا إدراك أولي لصورة الحرية. وإذا كيفنا هذا التمثل مع نموذج العمل المتسلسل يتضح أن جدلية العبد والسيد لا يمكنها أن تتحقق إلا إذا تصور العامل الحركة البسيطة التي يقوم بها في بعدها الوظيفي، أي في تكاملها مع الحركات التي يقوم بها العمال الآخرون ؛ الأمر الذي يدفع بهم إلى أن يتمثلوا أنفسهم كما لو كانوا ذاتا واحدة، ومن ثمة يدرك العامل أنه لا يمكنه أن يحقق ذاته بمعزل عن الآخرين. وعلى العامل في ذات الوقت أن يتمثل فرديته كذات يجب بناؤها من الداخل من خلال عملية التكوين المستمر التي ستمكنه من مواكبة تطورات نظام الآلية. إلا أن الإشكال المطروح هنا هو : هل يمكن أن يتطور نظام الآلية دون أن يكون على حساب كينونة الإنسان ؟







موقف جورج فريدمان:



يرى جورج فريدمان G. Friedmann أن نظام الآلية يحتوي على سلبيات، أهمها، أنه يعرض العامل إلى استلاب ذهني وإلى تدهور نفسي، بل واستلاب اقتصادي من جراء البطالة التي تكون عادة نتيجة حتمية لتعميم الآلية وتطورها. كما أن بعض المصالح الفردية قد تؤدي إلى تعميق القطيعة بين العمال ورؤسائهم مما يسبب تدهور العلاقات الاجتماعية. إلا أن فريدمان يرى أنه يجب التخلص من تلك النظرة الاختزالية والسطحية لنظام الآلية والتي تلخص هذا النظام في السلبيات فقط. إن إيجابيات الآلية تفوق بكثير سلبياتها. فمن الطوباوية الاعتقاد أن العامل يمكن أن يستفيد بشكل مباشر مما ينتجه كما كان الأمر معمولا به في القرون الوسطى. ومن الطوباوية كذلك أن يتحقق الإنتاج دون التضحية نسبيا بحرية العامل. إلا أنه من الممكن دائما أن يبحث العامل عن تحقيق ذاته ويحققها خارج المصنع، في أوقات الفراغ. فيكفي التأكيد على أن نظام الآلية أراح العامل من الاستعباد الجسدي الذي كان يعاني منه من جراء الأعمال الشاقة والمضنية. كما مكن رجال الأعمال من الربح لما يمثله نظام الآلية من اقتصاد في التكاليف. إضافة إلى أن نظام الآلية لا يهدد كرامة الإنسان باعتباره مستهلكا، حيث يستطيع كل فرد أن يستجيب لحاجاته الضرورية وينميها نظرا لما سيجده أمامه من وفرة.







إستــــــــــنتاج:



كتخريج عام، نقول : إن الشغل ظاهرة استأثرت باهتمام الفلاسفة والسياسيين والسوسيولوجيين، وعلماء الاقتصاد وغيرهم. ففي الوقت الذي يرتبط فيه الشغل عند البعض بالإنتاجية والتقنية، والتصنيع، والتقدم والتخلف ...الخ ؛ يرتبط عند آخرين بالالتزام، وخلق الذات للذات، وخلق الذات للآخر، والرغبة والحرية والاستلاب ...الخ. ومهما تعددت الأطروحات، فإننا لا نستطيع أن نتصور العالم اليوم دون ظاهرة الشغل، أو حياة ليس فيها عمل، إلا إذا كنا طوباويين أو مستغرقين في أحلام اليقظة ؛ وكما قال كارلايل : "إنه من الحماقة أن نلعن الشمس لأنها لا تشعل لنا لفائف التبغ". ومن ثمة، لابد من الاعتقاد بالبعد الفلسفي للشغل باعتباره علاقة ميتافزيقية جديدة بين الذات ونفسها، بين الذات والمجتمع. فإذا كان ديكارت قد قال :"أنا أفكر فأنا إذن موجود" ؛ فإننا يمكن أن نعارضه بهذه الفكرة : "أنا أشتغل إذن أنا موجود" لأن أبشع أشكال الاستلاب هو استلاب اللاشغل (أو استلاب البطالة). فالشغل وحده يستطيع أن يحقق للإنسان إنسانيته ويضمن له كرامته. إننا اليوم نوجد بالقدر الذي نعمل، بل الأصح أن وجودنا متوقف على الشغل، من خلاله نستطيع أن نتفاعل مع ذواتنا ومع الآخرين، وهو الكفيل بأن يقيم التصالح بيننا وبين أنفسنا، بيننا وبين مجتمعنا.



رسالة إلى أمي 😭 في 3يوم العيدعيدي يوم التحق بك يا امي 😪🤲 رحم الله أمي و ...

رسالة إلى أمي 😭 في 3يوم العيد عيدي يوم التحق بك يا امي 😪🤲 رحم الله أمي و أبي وسائر اموات المس لمين 🤲 #اللهم_صل_وسلم_على_نبينا_محمد   #ال...